كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

(ص) وَتَعْلِيمُ فِقْهٍ وَفَرَائِضَ كَبَيْعِ كُتُبِهِ (ش) أَيْ: وَمِمَّا هُوَ مَكْرُوهٌ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْفِقْهِ لِئَلَّا يَقِلَّ طَالِبُهُ وَالْمَطْلُوبُ خِلَافُهُ، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ فِقْهِ الْفَرَائِضِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ بَيْعُ كُتُبِ الْفِقْهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُفْلِسًا كَمَا مَرَّ فِي الْفَلَسِ أَنَّهُ جَائِزٌ لِضَرُورَةِ الْغُرَمَاءِ، وَأَمَّا أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ عَمَلِ الْفَرَائِضِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَعَطْفُ فَرَائِضَ عَلَى فِقْهٍ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ.
وَقَالَ الشَّارِحُ قَالَ فِي الْمَعُونَةِ وَأَكْرَهُ الْإِجَارَةُ عَلَى تَعْلِيمِ عِلْمِ الشِّعْرِ وَالنَّحْوِ وَعَلَى كِتَابَةِ ذَلِكَ وَإِجَارَةَ كُتُبٍ فِيهَا ذَلِكَ أَوْ بَيْعَهَا وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ بَيْعَ كُتُبِ الْفِقْهِ فَكَيْفَ بِهَذِهِ وَمَا كُرِهَ بَيْعُهُ فَلَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ انْتَهَى أَيْ: جَوَازًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهُ وَالْفِقْهُ لُغَةً الْفَهْمُ وَفِي الِاصْطِلَاحِ هُوَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ الْمُكْتَسَبُ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ.

(ص) وَقِرَاءَةٌ بِلَحْنٍ (ش) الْمُرَادُ بِاللَّحْنِ التَّطْرِيبُ وَهُوَ تَقْطِيعُ الصَّوْتِ بِالْأَنْغَامِ عَلَى حَدِّهِ الْمَعْرُوفِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِالْأَلْحَانِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: وَأُجْرَةُ قِرَاءَةٍ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مُقَامَهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ بِاللَّحْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكْرَارُ مَعَ مَا سَبَقَ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَقِرَاءَةٌ بِتَلْحِينٍ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ وَإِنَّمَا عَبَّرَ هُنَا بِالْمُفْرَدِ لِلِاخْتِصَارِ.

(ص) وَكِرَاءُ دُفٍّ وَمِعْزَفٍ لِعُرْسٍ (ش) الدُّفُّ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا لُغَةً هُوَ الْمُدَوَّرُ الْمُغَشَّى مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ غُشِّيَ مِنْهُمَا وَكَانَ مُرَبَّعًا فَهُوَ الْمِزْهَرُ وَالْمِعْزَفُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِيدَانِ وَنَقَلَ بَعْضٌ عَنْ الرَّافِعِيِّ أَنَّ الْمَعَازِفَ الْمَلَاهِيَ وَيَشْمَلُ الْأَوْتَارَ وَالْمَزَاهِرَ انْتَهَى وَالْمَعْنَى أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ كِرَاءَ مَا ذُكِرَ لِلْأَعْرَاسِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إبَاحَةِ ضَرْبِ الدُّفِّ فِي الْعُرْسِ إبَاحَةُ إجَارَتِهِ فِيهِ، وَأَمَّا إجَارَةُ الْمِعْزَفِ فِي غَيْرِ الْأَعْرَاسِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَالْمُرَادُ بِالْعُرْسِ خُصُوصُ النِّكَاحِ.

(ص) وَكِرَاءُ كَعَبْدٍ كَافِرًا (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ أَوْ وَلَدَهُ أَوْ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ أَوْ دَابَّتَهُ لِكَافِرٍ وَمَحَلُّهَا إذَا كَانَ الْمُسْلِمُ يَجُوزُ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ كَالْخِيَاطَةِ وَالْبِنَاءِ وَالْحَرْثِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ فِعْلُهُ لِنَفْسِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQيُكْرَهُ لِمَنْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِلُبْسِهِ أَنْ يُكْرِيَهُ لِمِثْلِهِ وَضَمِنَهُ الْمُكْتَرِي الْأَوَّلُ إلَّا لِبَيِّنَةٍ عَلَى تَلَفِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَدِّي الثَّانِي؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْأَوَّلِ ضَمَانُ تُهْمَةٍ فَيَزُولُ مَعَ الْبَيِّنَةِ لَا ضَمَانُ عَدَاءٍ وَيَجْرِي فِي الثَّوْبِ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا يَظْهَرُ، فَإِذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ شَيْئًا فَلَا يُكْرَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ فِي حَمْلٍ مِثْلِهِ وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ بِحَضْرَةِ رَبِّهِ أَوْ لِعَدَمِ إرَادَةِ لُبْسِهِ أَوْ وَارِثِهِ لِمَوْتِهِ.

(قَوْلُهُ وَتَعْلِيمُ فِقْهٍ وَفَرَائِضَ) أَيْ: إذَا كَانَ عَيْنًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ كِفَائِيًّا فَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْفَرْضِ الْكِفَائِيِّ (قَوْلُهُ بَلْ يُكْرَهُ بَيْعُ كُتُبِ الْفِقْهِ) أَيْ مَا لَمْ يَحْتَجْ لَهُ (قَوْلُهُ جَائِزٌ لِضَرُورَةِ الْغُرَمَاءِ) بَلْ وَاجِبٌ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بِيعَتْ كُتُبُ ابْنِ وَهْبٍ الَّتِي أَلَّفَهَا بِثَلَثِمِائَةِ دِينَارٍ وَأَصْحَابُنَا مُتَوَافِرُونَ وَكَانَ أَبِي وَصِيَّهُ (قَوْلُهُ تَعْلِيمِ عَمَلِ الْفَرَائِضِ) هُوَ الْمُنَاسَخَاتُ (قَوْلُهُ وَعَلَى كِتَابَةِ ذَلِكَ) أَيْ: مَا لَمْ يَحْتَجْ لَهَا، وَكَذَلِكَ كُتُبُ الْفِقْهِ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا مَكْرُوهَةٌ مَا لَمْ يَحْتَجْ لَهُ (قَوْلُهُ وَإِجَارَةُ كُتُبٍ فِيهَا لِذَلِكَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْإِجَارَةُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ أَوْ بَيْعُهَا وَقَوْلُهُ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهُ أَيْ: الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ وَإِجَارَةُ كُتُبٍ فِيهَا ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ الْمُرَادُ بِاللَّحْنِ التَّطْرِيبُ) عِبَارَةُ بَعْضٍ أَيْ: التَّنْغِيمُ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ (قَوْلُهُ وَهُوَ تَقْطِيعُ الصَّوْتِ) الْمُرَادُ عَدَمُ اتِّصَالِ الْحُرُوفِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ (قَوْلُهُ عَلَى حَدِّهِ الْمَعْرُوفِ) أَيْ: عَلَى طَرِيقَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَهُمْ وَالْمُرَادُ لَحْنٌ لَمْ يَخْرُجْ بِهِ الْقُرْآنُ عَمَّا أَجْمَعَتْ السَّبْعَةُ عَلَى وُجُوبِهِ، وَأَمَّا مَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ تَحْرُمُ الْقِرَاءَةُ بِخِلَافِهِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ يَنْبَغِي قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِخِلَافِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَا وَرَاءَ السَّبْعِ لَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهِ (- قَوْلُهُ وَإِنَّمَا عَبَّرَ هُنَا بِالْمُفْرَدِ لِلِاخْتِصَارِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَبَّرَ فِيمَا تَقَدَّمَ بِالْأَلْحَانِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ لَحْنٍ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ بِتَلْحِينٍ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ لَفْظُ هُنَا وَيَقُولُ وَعَبَّرَ بِالْمُفْرَدِ لِلِاخْتِصَارِ.

(قَوْلُهُ نَوْعٌ مِنْ الْعِيدَانِ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ بَهْرَامَ وَلَكِنَّ الْمُنَاسِبَ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الرَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْأَوَّلِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ (قَوْلُهُ الْأَوْتَارُ وَالْمَزَاهِرُ) وَعِبَارَةٌ أُخْرَى فَيَشْمَلُ الْأَعْوَادَ وَالرَّبَابَ وَالسِّنْطِيرَ وَالْكَبَنْجَا وَغَيْرَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ) أَيْ وَمُقْتَضَى الْقِيَاسِ الْجَوَازُ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: فَإِنْ قُلْت فِعْلُهُمَا فِي الْعُرْسِ جَائِزٌ فَلِمَ كُرِهَ الْكِرَاءُ لَهُ وَالْوَسِيلَةُ تُعْطَى حُكْمَ مَقْصِدِهَا قُلْت سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ أَيْ: لَوْ جَازَ فِي الْعُرْسِ لَتَوَصَّلَ إلَى كِرَائِهِ فِي غَيْرِهِ انْتَهَى. وَعِبَارَةٌ أُخْرَى أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مَرْجُوحُ الْفِعْلِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْجَائِزِ الَّذِي اسْتَوَى فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ.
(قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالْعُرْسِ خُصُوصُ النِّكَاحِ) وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ الْمُرَادُ بِهِ خُصُوصُ النِّكَاحِ وَعَبَّرَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَلَا يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْعُرْسِ كُلُّ فَرَحٍ كَاجْتِمَاعِ بَعْضِ النَّاسِ بِبَعْضٍ فِي لَيَالِيَ مَعْرُوفَةٍ وَيَجْعَلُونَهُ فَرَحًا وَسُرُورًا فَلَا يَجُوزُ فِيهِ مَا ذُكِرَ انْتَهَى. ثُمَّ إنَّكَ خَبِيرٌ بِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَكِرَاءُ دُفٍّ وَمِعْزَفٍ لِعُرْسٍ لَا يُفِيدُ حُرْمَةَ الْآلَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَفْرَادِ الْمِعْزَفِ مَعَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْحُرْمَةُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْبَدْرَ نَقَلَ مَنْعَ سَمَاعِ الْآلَةِ عَنْ عِيَاضٍ وَالْمَازِرِيِّ وَأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ نَصَّ عَلَى أَنَّ كَرَاهَةَ كِرَاءِ الْمَعَازِفِ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ سَمَاعِ الْآلَةِ فِي الْعُرْسِ انْتَهَى، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ حُرْمَةُ اسْتِمَاعِ الْآلَةِ فَيَحْرُمُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا.
(تَنْبِيهٌ) : بَقِيَ كِرَاءُ الدُّفِّ فِي غَيْرِ الْعُرْسِ وَعَنْ ضَرْبِهِ فِي غَيْرِهِ وَالْحُكْمُ الْحُرْمَةُ كَمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي رِسَالَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِذَلِكَ.

(قَوْلُهُ كَالْخِيَاطَةِ) يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَسْتَبِدُّ بِذَلِكَ لِلْكَافِرِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي حَانُوتِهِ وَيَخِيطُ لَهُ كَالنَّاسِ فَهُوَ جَائِزٌ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا إذَا كَانَ يَخِيطُ لَهُ فِي حَانُوتِهِ وَلَا يَخِيطُ إلَّا لَهُ وَالظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ

الصفحة 19