كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

وَبَحْثُ ابْنِ عَرَفَةَ مُخَالِفٌ لِلنُّصُوصِ فَقَوْلُهُ: بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَيْ ظَنِّ النَّاسِ وَيَسْأَلُهُمْ الْقَاضِي عَنْ ذَلِكَ فَيُخْبِرُونَهُ بِهِ.

(ص) وَمَنْ امْتَنَعَتْ لَهُ لَمْ يُزَكِّ شَاهِدَهُ وَيُجَرِّحُ شَاهِدًا عَلَيْهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ امْتَنَعَتْ شَهَادَتُك لَهُ لِأَجْلِ الْقَرَابَةِ الْمُتَأَكَّدَةِ كَأَبِيك وَنَحْوِهِ لَا يَجُوزُ لَكَ أَنْ تُزَكِّيَ مَنْ شَهِدَ لَهُ بِحَقٍّ؛ لِأَنَّك تَجُرُّ لَهُ بِذَلِكَ نَفْعًا، وَلَا يَجُوزُ لَك أَنْ تُجَرِّحَ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ؛ لِأَنَّك تَدْفَعُ عَنْهُ بِذَلِكَ مَضَرَّةً فَقَوْلُهُ: وَيُجَرِّحُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَدْخُولِ النَّفْيِ أَيْ، وَلَمْ يُجَرِّحْ شَاهِدًا شَهِدَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: وَمَنْ أَيْ وَالشَّخْصُ الَّذِي وَالضَّمِيرُ فِي يُزَكِّ عَائِدٌ عَلَى الشَّاهِدِ الْمُمْتَنِعِ الشَّهَادَةِ الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ لَا عَلَى مَنْ.

(ص) وَمَنْ امْتَنَعَتْ عَلَيْهِ فَالْعَكْسُ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ امْتَنَعَتْ شَهَادَتُك عَلَيْهِ لِأَجْلِ عَدَاوَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ بَيْنَكُمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ أَنْ تُجَرِّحَ مَنْ شَهِدَ لَهُ بِحَقٍّ، وَلَا أَنْ تُزَكِّيَ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ؛ لِأَنَّك فِي الْحَالَتَيْنِ تَجْلِبُ مَضَرَّةً إلَى عَدُوِّك، وَلَا يُقْبَلُ مِنْك ذَلِكَ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَكْسِ فِي التَّصْوِيرِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْعَكْسَ فِي مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ السَّابِقَيْنِ الْمُتَرَتِّبَيْنِ عَلَى قَوْلِهِ: وَمَنْ امْتَنَعَتْ لَهُ وَهُمَا لَمْ يُزَكِّ شَاهِدَهُ، وَلَمْ يُجَرِّحْ شَاهِدًا عَلَيْهِ فَعَكْسُ لَمْ يُزَكِّ شَاهِدَهُ يُزَكِّي شَاهِدَهُ، وَعَكْسُ لَمْ يُجَرِّحْ شَاهِدًا عَلَيْهِ أَنَّهُ يُجَرِّحُ شَاهِدًا شَهِدَ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهِ.

(ص) إلَّا الصِّبْيَانَ لَا نِسَاءٍ فِي كَعُرْسٍ (ش) لَمَّا ذَكَرَ شُرُوطَ شَهَادَةِ الْبَالِغِينَ وَانْتِفَاءَ مَوَانِعِهَا أَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا جَمِيعُ الشُّرُوطِ، وَلَا انْتِفَاءُ كُلِّ الْمَوَانِعِ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ بِشُرُوطِهَا الْآتِيَةِ فِي الْجَرْحِ وَالْقَتْلِ لَا فِي الْأَمْوَالِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمُعَاوِيَةُ وَمَنَعَهَا الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ، وَإِنَّمَا جَازَتْ لِلضَّرُورَةِ وَلِأَنَّهُمْ يُنْدَبُونَ إلَى تَعْلِيمِ الرَّمْيِ وَالصِّرَاعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُدَرِّبُهُمْ عَلَى حَمْلِ السِّلَاحِ وَالْكَرِّ وَالْفَرِّ، وَالْغَالِبُ أَنَّ الْكِبَارَ لَا تَحْضُرُ مَعَهُمْ فَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِبَعْضِهِمْ لَأَدَّى إلَى إهْدَارِ دِمَائِهِمْ، وَأَمَّا شَهَادَةُ النِّسَاءِ بَعْضِهِنَّ لِبَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ فِي الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِنَّ فِي عُرْسٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَغَيْرُ جَائِزٍ لِعَدَمِ الْأَمْرِ بِاجْتِمَاعِهِنَّ، وَقَوْلُهُ: (فِي جَرْحٍ أَوْ قَتْلٍ) يَرْجِعُ لِمَسْأَلَةِ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ لَكِنْ لِمَسْأَلَةِ الصِّبْيَانِ عَلَى سَبِيلِ الْإِثْبَاتِ وَلِمَسْأَلَةِ النِّسَاءِ عَلَى سَبِيلِ النَّفْيِ، وَلَا قَسَامَةَ مَعَ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ فِي الْقَتْلِ، وَالصِّبْيَانُ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِمْ فِي نَفْسٍ وَلَا جَرْحٍ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَالْجَرْحُ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَقَرْنُهُ بِالْقَتْلِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: شَهَادَةُ النِّسَاءِ لَا تُقْبَلُ فِي الْقَتْلِ وَالْجَرْحِ بِانْفِرَادِهِنَّ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّخْصِيصِ عَلَى ذَلِكَ هُنَا، وَلَا تَظْهَرُ لَهُ فَائِدَةٌ إلَّا إذَا امْتَنَعَتْ شَهَادَتُهُنَّ هُنَا فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ كَالْوِلَادَةِ وَالِاسْتِهْلَالِ وَنَحْوِهِمَا، وَالْجَوَابُ أَنَّ اجْتِمَاعَهُنَّ لَمَّا كَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحِرْصُ عَلَى إزَالَةِ نَقْصٍ فِيمَا رُدَّ فِيهِ بِسَبَبِ غَلَبَةِ ظَنِّ الصَّدَاقَةِ بِلَا حَدٍّ، وَفِي الثَّانِي مَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ فِي التَّوْبَةِ وَاتِّصَافِهِ بِصِفَاتِ الْعَدَالَةِ بِلَا حَدٍّ أَيْضًا فَيَنْتَفِي بِذَلِكَ الْحِرْصُ عَلَى إزَالَةِ نَقْصٍ فِيمَا رُدَّ فِيهِ أَيْضًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ هُنَا صَارَ عَلَى حَالَةٍ لَيْسَ فِيهَا حِرْصٌ؛ لِأَنَّهُ صَارَ صَدِيقًا وَمَا تَقَدَّمَ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ حَرِيصًا فَلَا تَنَافِيَ، وَمَا تَقَدَّمَ صَارَ عَدْلًا، وَلَمْ يَتَقَوَّ الظَّنُّ، وَهُنَا تَقَوَّى الظَّنُّ وَلَمْ يَقِلَّ بِالتَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُخَالِطُ الدَّهْرَ، وَلَا يُطْلِعُ عَلَى بَاطِنِهِ (قَوْلُهُ: وَبَحَثَ ابْنُ عَرَفَةَ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي جَعْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ ارْتِفَاعَ الْعَدَاوَةِ كَارْتِفَاعِ الْفِسْقِ لَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِهِ، وَإِلَّا ظَهَرَ تَخْرِيجُهَا عَلَى مَنْ عُدِّلَ فِي شَهَادَةٍ ثُمَّ شَهِدَ أُخْرَى هَلْ تُسْتَصْحَبُ عَدَالَتُهُ أَوْ يُسْتَأْنَفُ إثْبَاتًا فَإِنْ قُلْنَا بِاسْتِصْحَابِ الْعَدَالَةِ كَفَى غَلَبَةُ ظَنِّ زَوَالِ الْعَدَاوَةِ، وَإِلَّا فَلَا.

(قَوْلُهُ بِالْعَكْسِ فِي التَّصْوِيرِ) أَيْ لَا الْحُكْمِ فَالْحُكْمُ هُوَ عَدَمُ التَّزْكِيَةِ، وَعَدَمُ التَّجْرِيحِ، وَعَكْسُهُ ظَاهِرٌ، وَهَذَا عَكْسٌ فِي التَّصْوِيرِ أَيْ التَّصْوِيرِ الْمُتَقَدِّمِ أَيْ فَهِيَ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْعَكْسُ تَصْوِيرُهَا فَاقْلِبْ الْأَوَّلَ لِلْآخِرِ، وَالْآخِرَ لِلْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ: لَمْ يُزَكِّ شَاهِدَهُ فِي قُوَّةٍ شَاهِدًا لَهُ فَاقْلِبْ لَهُ مِنْ الْأَوَّلِ، وَاجْعَلْهَا فِي الْآخِرِ وَعَلَيْهِ مِنْ الْآخِرِ وَاجْعَلْهَا فِي الْأَوَّلِ فَهُوَ عَكْسٌ لُغَوِيٌّ فَالنَّفْي بَاقٍ، وَقَوْلُهُ: فِي مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ عَلَى حِدَتِهِ أَيْ الْأَمْرَيْنِ الْمُتَرَتِّبِينَ وَعَلَيْهِ فَالْعَكْسُ وَاقِعٌ فِي الْحُكْمِ بِحَيْثُ يُبَدَّلُ النَّفْيُ بِالْإِثْبَاتِ، وَأَمَّا التَّصْوِيرُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ قَوْلُهُ: شَاهِدُهُ وَالشَّاهِدُ عَلَيْهِ بَاقٍ لَمْ يُبَدَّلْ.

(قَوْلُهُ: لَمَّا ذَكَرَ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: إنَّ فِيهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إلَّا الصِّبْيَانَ مُسْتَثْنًى مِمَّا قَبْلَهُ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا، وَالتَّقْدِيرُ يُشْتَرَطُ فِي شَهَادَةِ الْبَالِغِ كَذَا وَكَذَا وَنَفْيُ كَذَا وَكَذَا إلَّا شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ فَيَقْرَأُ إلَّا الصِّبْيَانَ بِالنَّصْبِ مُسْتَثْنًى مِنْ الْبَالِغِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا أَيْ فَيُشْتَرَطُ فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ كَذَا وَكَذَا إلَّا الصِّبْيَانَ وَيَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ فَلَا نُطِيلُ بِهِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهَا) أَيْ الْقَسَامَةَ فِي الْقَتْلِ أَيْ الْقِصَاصِ فَيُفِيدُ أَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تُوجِبُ دِيَةً أَصْلًا مَعَ أَنَّهَا تُوجِبُ الدِّيَةَ فَالْمُنَاسِبُ فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ الصِّبْيَانَ لَيْسُوا أَهْلًا لِلْحَلِفِ (قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْجِيمِ) أَيْ فَهُوَ مَصْدَرٌ لَا بِالضَّمِّ بِمَعْنَى الْأَثَرِ، وَقَوْلُهُ: وَالْقَتْلُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا أَيْ عَلَى أَنَّهُ بِفَتْحِ الْجِيمِ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَرْحَ مَصْدَرٌ فَيَكُونُ بِفَتْحِ الْجِيمِ (قَوْلُهُ: وَلَا تَظْهَرُ لَهُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْجَرْحَ وَالْقَتْلَ لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيهِمَا فِي غَيْرِ الْعُرْسِ فَأَوْلَى الْعُرْسُ أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ الْأَمْرِ بِاجْتِمَاعِهِنَّ فِيهِ فَلَا فَائِدَةَ لِلنَّصِّ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ فِي الْعُرْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ يُتَوَهَّمُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الِاجْتِمَاعَ فِي الْعُرْسِ يُحْتَاجُ إلَيْهِ، وَقَوْلُهُ:

الصفحة 196