كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

مُحْتَاجًا إلَيْهِ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ مَقْبُولَةٌ كَشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ عَدَمَ قَبُولِهَا فِي الْعَمْدِ وَاضِحٌ لِقُوَّتِهِ، وَأَمَّا الْخَطَأُ فَهُوَ آيِلٌ إلَى الْمَالِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُنَّ فِيهِ مَعَ الشَّاهِدِ أَوْ الْيَمِينِ، وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ: لَمْ تُقْبَلْ فِي حَالَةِ اجْتِمَاعِهِنَّ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُنَّ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَهُوَ قَادِحٌ فِي عَدَالَتِهِنَّ بِخِلَافِ الصِّبْيَانِ وَاغْتُفِرَتْ فِيمَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ كَالْوِلَادَةِ لِلضَّرُورَةِ تَأَمَّلْ.

(ص) وَالشَّاهِدُ حُرٌّ مُمَيِّزٌ ذَكَرٌ تَعَدَّدَ لَيْسَ بِعَدُوٍّ، وَلَا قَرِيبٍ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ وَفُرْقَةَ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِمْ قَبْلَهَا، وَلَمْ يَحْضُرْ كَبِيرٌ أَوْ يَشْهَدُ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، وَلَا يَقْدَحُ رُجُوعُهُمْ وَلَا تَجْرِيحُهُمْ (ش) يَعْنِي أَنَّ الصَّبِيَّ الشَّاهِدَ يُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطٌ مِنْهَا أَنْ يَشْهَدَ فِي قَتْلٍ أَوْ جَرْحٍ لَا فِي مَالٍ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ حُرًّا، وَاشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْحُرِّيَّةِ لِمَا فِي الرَّقِيقِ مِنْ شَائِبَةِ الْكُفْرِ فَالتَّمَحُّضُ أَوْلَى، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا أَيْ وَأَنْ يَبْلُغَ عَشْرَ سِنِينَ أَوْ مَا قَرُبَ مِنْهَا وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا، وَهَذَا لَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَضْبِطُ مَا يَقُولُ، وَلَا يَثْبُتُ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا فَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْإِنَاثِ مِنْ الصِّبْيَانِ وَإِنْ كَثُرْنَ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُرِيدُ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ ذَكَرٌ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لَفْظَ الصِّبْيَانِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْإِنَاثِ أَيْضًا، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّدًا فَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الشَّاهِدُ عَدُوًّا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَدَاوَةُ بَيْنَ الصِّبْيَانِ أَنْفُسِهِمْ أَوْ بَيْنَ آبَائِهِمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُطْلَقَ الْعَدَاوَةِ مُضِرَّةٌ أَيْ دُنْيَوِيَّةً أَوْ دِينِيَّةً، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الشَّاهِدُ قَرِيبًا لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ مُطْلَقَ الْقَرَابَةِ مُضِرَّةٌ وَحِينَئِذٍ فَيَشْمَلُ الْعَمَّ وَالْخَالَ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ أَكِيدَةً كَمَا فِي الْبَالِغِينَ كَمَا ارْتَضَاهُ الْجِيزِيُّ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الشُّهُودِ خِلَافٌ بَلْ يَكُونُونَ مُتَّفِقِينَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ كَشَهَادَةِ وَاحِدٍ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ، وَالْآخَرُ مِثْلُهُ
وَأَمَّا لَوْ قَالَ: الْآخَرَ: إنَّ غَيْرَهُ قَتَلَهُ فَلَا يُقْبَلُ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ هَذَيْنِ قَتَلَاهُ، وَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا: بَلْ أَنْتُمَا قَتَلْتُمَاهُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَوْ شَهِدَ صَبِيَّانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَقَالَ الْآخَرُ: إنَّمَا أَصَابَتْهُ دَابَّةٌ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ بِالْقَتْلِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَثْبَتَ حَقًّا أَوْلَى وَالصَّحِيحُ سُقُوطُهُمَا، وَخِلَافٌ اسْمُ مَصْدَرٍ أَطْلَقَهُ وَأَرَادَ بِهِ الْمَصْدَرَ، وَهُوَ الِاخْتِلَافُ وَلَوْ عَبَّرَ بِاخْتِلَافٍ كَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الشَّهَادَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ كَفَى، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَحْصُلَ بَيْنَهُمْ فُرْقَةٌ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمْ مَظِنَّةُ تَعْلِيمِهِمْ مَا لَمْ تَشْهَدْ الْعُدُولُ عَلَيْهِمْ بِمَا شَهِدُوا بِهِ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ، وَإِلَّا فَلَا يَضُرُّ افْتِرَاقُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمْ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَحْضُرَ الصِّبْيَانَ كَبِيرٌ فِي مَعْرَكَتِهِمْ، وَأَطْلَقَ فِي الْكَبِيرِ لِيَعُمَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى الْعَدْلَ وَالْفَاسِقَ وَالْحَرَّ وَالْعَبْدَ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ الْعُرْسِ أَيْ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يُفِيدُ إلَّا إذَا كَانَ قَصْدُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْوِلَادَةِ وَنَحْوِهَا عِنْدَ اجْتِمَاعِهِنَّ فِي الْعُرْسِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ مِنْ جَوَازِ شَهَادَتِهِنَّ فِي الْوِلَادَةِ فِي غَيْرِ مَا هُنَا جَوَازُ شَهَادَتِهِنَّ فِي الْعُرْسِ فَنَصَّ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ دَفْعًا لِهَذَا التَّوَهُّمِ أَيْ وَهَذَا قَصْدُهُ، وَقَوْلُهُ: لَمَّا كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ هَذَا يُنَافِي قَوْلَهُ أَوَّلًا لِعَدَمِ الْأَمْرِ بِاجْتِمَاعِهِنَّ؛ لِأَنَّهُ هُنَا يُفِيدُ الْأَمْرَ بِهِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ
(قَوْلُهُ مَقْبُولَةٌ) أَيْ فِي الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ) حَاصِلُ الِاعْتِرَاضِ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ فِي الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ بِشَهَادَتِهِنَّ، وَلَا يَظْهَرُ فِي الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى مَالٍ فَلَا مَانِعَ مِنْ شَهَادَتِهِنَّ فِيهِ أَيْ مَعَ الْيَمِينِ أَوْ الشَّاهِدِ فَلَا يَظْهَرُ الْإِطْلَاقُ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهَا إنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ هَذَا الِاجْتِمَاعَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ مَعَ الشَّاهِدِ أَوْ الْيَمِينِ إلَّا إذَا كُنَّ فِي غَيْرِ الْعُرْسِ؛ لِأَنَّ الْعُرْسَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِالِاجْتِمَاعِ فِيهِ بَلْ يُنْهَى عَنْ الِاجْتِمَاعِ فِيهِ فَالْعَدَالَةُ مَفْقُودَةٌ فِيهِنَّ، وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَلَا حَاجَةَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي شَهَادَتِهِنَّ وَحْدَهُنَّ مُجَرَّدَةٌ عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّاهِدِ (قَوْلُهُ: وَاغْتُفِرَتْ فِيمَا لَا يَظْهَرُ إلَخْ) هَذَا الْكَلَامُ يُفِيدُ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِي الْوِلَادَةِ مَعَ الْقَادِحِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَالَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَلَا يُعْدَلُ عَنْ هَذَا.

(قَوْلُهُ: وَالشَّاهِدُ إلَخْ) ذِكْرُ الْأَوْصَافِ لِلشَّاهِدِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ فِي الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَصَرَّحَ تت بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ التَّمْيِيزَ كَذَلِكَ دُونَ الْإِسْلَامِ وَالذُّكُورَةِ، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْمَوَّاقُ اعْتِبَارُ الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَالذُّكُورَةِ وَأَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّمْيِيزَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَفُرْقَةٌ) بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ لَا بِالْفَتْحِ؛ لِأَنَّ حَرْفَ الْعَطْفِ غَيْرَ الْمُقْتَرِنِ بِلَا يَمْنَعُ مِنْهُ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْحُرِّيَّةِ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْحُرِّيَّةِ أَفَادَ أَنَّ مَنْ فِيهِ شَائِبَةُ الْكُفْرِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَيْ فَأَوْلَى مَنْ كَانَ خَالِصَ الْكُفْرِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ غَيْرَهُ) أَيْ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ عَشْرَ سِنِينَ، وَلَا مَا قَرُبَ كَالتِّسْعَةِ لَا يَضْبِطُ مَا يَقُولُ أَيْ فَأَوْلَى مَا كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ أَصْلًا (قَوْلُهُ: يُرِيدُ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ ذَكَرٌ) نُسْخَةُ الشَّارِحِ مَعَهُمْ، وَالْمُنَاسِبُ مَعَهُنَّ، وَقَوْلُهُ: وَهَذَا أَيْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ ذَكَرٌ بَعْدَ قَوْلِهِ الْمَوْضُوعِ لِلصِّبْيَانِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصِّبْيَانَ يَشْمَلُ الْأُنْثَى، وَإِلَّا كَانَ ذِكْرُ ذَكَرٍ ضَائِعًا (قَوْلُهُ: دِينِيَّةً أَوْ دُنْيَوِيَّةً) أَيْ؛ لِأَنَّ لِلصِّبْيَانِ حَالَةً غَيْرَ حَالَةِ الْكِبَارِ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ سُقُوطُهُمَا) أَيْ فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ ضَعِيفٌ، وَنُسْخَةُ الشَّارِحِ سُقُوطُهَا أَيْ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ قَوْلِهِ: لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى الشَّهَادَةِ فَيَخْرُجُ مَا إذَا كَانَ الشَّاهِدُ اثْنَيْنِ وَسَكَتَ الْبَاقِي فَيَقْتَضِي أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ مَعَ أَنَّهَا تَجُوزُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لَا اخْتِلَافَ فَمَعْنَاهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمْ فَيَصْدُقُ بِمَا إذَا سَكَتَ الْبَاقِي (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمْ مَظِنَّةُ تَعْلِيمِهِمْ) أَيْ وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِ التَّعْلِيمِ فَلَوْ تَفَرَّقُوا ثُمَّ اجْتَمَعُوا قَبْلَ أَنْ يَحْصُلَ زَمَنٌ يُمْكِنُ تَعْلِيمُهُمْ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمْ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَشْهَدْ الْعُدُولُ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ مَحَلُّ ضَرُورَةٍ (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ فِي الْكَبِيرِ) اعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ مَا فِي الْحَطَّابِ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ الْكَبِيرُ وَقْتَ الْقَتْلِ أَوْ الْجَرْحِ وَكَانَ عَدْلًا لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْمَشْهُورِ أَيْ لِلِاسْتِغْنَاءِ

الصفحة 197