كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

وَهُوَ مَا لَا يَنَالُ الشَّاهِدَ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَجَهْلُ الْمَكَانِ بِمَنْزِلَةِ الْبُعْدِ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا بُعْدُ الْغَيْبَةِ وَلَيْسَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ كَالنَّقْلِ عَنْ الْمَرْأَةِ مِنْ أَنَّهُ يَنْقُلُ عَنْهَا وَلَوْ لَمْ تَغِبْ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ ضَعِيفَةٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهَا مَعَ إمْكَانِ غَيْرِهَا.

(ص) وَإِنْ بِغَيْرِ مَالٍ فِيهِمَا (ش) ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ يَرْجِعُ لِمَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ وَالشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْغَائِبِ أَوْ الْمَيِّتِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ تَجُوزُ فِي الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ وَغَيْرِهَا كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهِمَا.

(ص) إنْ عَرَفْته كَالْمُعَيَّنِ وَأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ مَشْهَدَهُ وَتَحَمَّلَهَا عَدْلًا (ش) هَذَا شُرُوعٌ فِي ذِكْرِ شُرُوطِ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ أَيْ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ الْغَائِبِ غَيْبَةً بَعِيدَةً أَوْ الْمَيِّتِ مِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْمُسْتَنَدِ رِيبَةٌ مِنْ مَحْوٍ أَوْ كَشْطٍ، وَإِلَّا فَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ اعْتَذَرَ عَنْ ذَلِكَ أَمْ لَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَمِنْهَا أَنْ تَعْرِفَ الشُّهُودُ الْخَطَّ مَعْرِفَةً تَامَّةً لَا شَكَّ فِيهَا وَلَا رِيبَةَ أَيْ تَعْرِفُهُ كَالْأَشْيَاءِ الْمُعَيَّنَةِ مِنْ ثِيَابٍ وَغَيْرِهَا فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْقَطْعِ، وَمِنْهَا أَنْ تَعْرِفَ الْبَيِّنَةُ أَنَّ صَاحِبَ الْخَطِّ كَانَ يَعْرِفُ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَيْ يَعْرِفُ نَسَبَهُ أَوْ عَيْنَهُ فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ تَشْهَدْ عَلَى خَطِّهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ، وَمِنْهَا أَنْ تَعْرِفَ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْخَطِّ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَى خَطِّهِ تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ وَوَضَعَ خَطَّهُ، وَهُوَ عَدْلٌ وَاسْتَمَرَّ عَدْلًا لِمَوْتِهِ وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: إنْ عَرَفْته بِاعْتِبَارِ الْخَطِّ، وَقَوْلُهُ: كَالْمُعَيَّنِ أَيْ مَعْرِفَةً لَا شَكَّ فِيهَا حَتَّى يَصِيرَ عِنْدَهَا كَالشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ الْمَوْجُودِ الْآنَ بِأَنْ تَتَيَقَّنَ أَنَّهُ خَطُّ فُلَانٍ، وَقَوْلُهُ: وَأَنَّهُ إلَخْ عَطْفٌ عَلَى الْهَاءِ فِي عَرَفْته.

(ص) لَا عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ حَتَّى يَذْكُرَهَا وَأَدَّى بِلَا نَفْعٍ (ش) هَذِهِ هِيَ الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ، وَهِيَ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ، وَإِنْ عَرَفَهُ حَتَّى يَذْكُرَ الْقَضِيَّةَ كُلَّهَا أَوْ حَتَّى يَذْكُرَ بَعْضَهَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَنَفْيِ التُّهْمَةِ عَنْهُ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا فَإِنَّهُ يُؤَدِّيهَا عَلَى مَا عَلِمَ وَلَا يَنْتَفِعُ الطَّالِبُ بِهَا بِأَنْ يَقُولَ لِلْحَاكِمِ هَذِهِ شَهَادَتِي بِيَدِي، وَلَا أَذْكُرُهَا فَقَوْلُهُ: لَا عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ الْمَعْطُوفِ مَحْذُوفٌ أَيْ لَا الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ أَيْ لَا تَنْفَعُ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ حَتَّى يَذْكُرَهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَأَدَّى بِلَا نَفْعٍ وَلَمَّا حَذَفَ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ أَتَى مَكَانَ الضَّمِيرِ بِظَاهِرٍ، وَفَائِدَةُ التَّأْدِيَةِ احْتِمَالُ كَوْنِ الْقَاضِي يَرَى الْقَوْلَ بِأَنَّهَا تَنْفَعُ أَوْ يَكُونُ مُجْتَهِدًا إنْ وَجَدَ.

(ص) ، وَلَا عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ إلَّا عَلَى عَيْنِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَخْصٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: تَجُوزُ فِي الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ إلَخْ) هَذَا خِلَافُ الرَّاجِحِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ سَوَاءٌ كَانَ مَالًا وَمَا يَئُولُ إلَيْهِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ كَطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا خَطُّ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ يَشْهَدُ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ فِي مَالٍ وَمَا يَئُولُ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَشْهَدُ عَلَى خَطِّهِ، وَهُوَ الَّذِي تَجِبُ بِهِ الْفَتْوَى.

(قَوْلُهُ أَيْ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ) لَا مَفْهُومَ لِلشَّاهِدِ بَلْ الْمُقِرُّ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: اعْتَذَرَ عَنْ ذَلِكَ أَمْ لَا عَلَى الْمَذْهَبِ) مُقَابِلُهُ يَقُولُ يُقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعْتَذِرًا عَنْهُ فَلَا يَضُرُّ (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا أَنْ تَعْرِفَ الْبَيِّنَةُ أَنَّ صَاحِبَ الْخَطِّ كَانَ يَعْرِفُ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ) أَيْ عَرَفَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْخَطِّ كَانَ لَا يَضَعُ خَطَّهُ عَلَى أَحَدٍ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَعْرِفَهُ بِالْعَيْنِ أَوْ النَّسَبِ فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ ذَلِكَ لَمْ تَشْهَدْ عَلَى خَطِّهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ وَاعْتُرِضَ ذَلِكَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ لَا تَجُوزُ؛ إذْ هِيَ مِنْ شَهَادَةِ الزُّورِ، وَهَذَا يُنَافِي الْعَدَالَةَ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَهَذَا فِيهِ تَضْيِيقٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِذَلِكَ، وَيُحْمَلُ الْعَدْلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضَعُ شَهَادَتَهُ إلَّا عَنْ مَعْرِفَةٍ، وَإِلَّا كَانَ شَاهِدًا بِزُورٍ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ عَدْلٌ، وَبِهَذَا جَرَى الْعَمَلُ عِنْدَنَا بِقَفْصَةَ، وَهُوَ الصَّوَابُ اهـ.
وَكَلَامُهُ يُفِيدُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: وَوَضَعَ خَطَّهُ) أَيْ وَتَعْرِفُ أَنَّهُ وَضَعَ خَطَّهُ، وَهُوَ عَدْلٌ، وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الضَّمِيرَ كَلَامٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَالْأَوْلَى حَذْفُهُ.

(قَوْلُهُ: وَهِيَ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ) أَيْ الشَّهَادَةُ بِمَا تَضَمَّنَهُ خَطُّ نَفْسِهِ مُعْتَمِدًا عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ فَالْمَشْهُودُ بِهِ إنَّمَا هُوَ مَا تَضَمَّنَهُ خَطُّهُ لَا أَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى أَنَّ هَذَا خَطُّهُ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَذْكُرَ الْقَضِيَّةَ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا بِتَمَامِهَا خِلَافًا لِلشَّارِحِ فَإِنَّهُ تَبِعَ اللَّخْمِيَّ ثُمَّ إنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ، وَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ: إنْ عَرَفَ خَطَّهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّهَادَةَ، وَلَا شَيْئًا مِنْهَا، وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ مَحْوٌ، وَلَا رِيبَةٌ فَلْيَشْهَدْ، وَبِهِ أَخَذَ مُطَرِّفٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَالْمُغِيرَةُ وَابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَابْنُ وَهْبٍ وَسَحْنُونٌ فِي نَوَازِلِهِ مُطَرِّفٌ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ النَّاسِ؛ إذْ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ نِسْيَانِ الشَّاهِدِ الْمُنْتَصِبِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْهَدْ حَتَّى يَذْكُرَهَا لَمَا كَانَ لِوَضْعِ شَهَادَتِهِ فَائِدَةٌ اهـ أَقُولُ: وَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِهِ خُصُوصًا فِي تِلْكَ الْأَزْمِنَةِ الَّتِي كَثُرَ فِيهَا شَغْلُ الْبَالِ، وَكَثْرَةُ النِّسْيَانِ مِنْ كَثْرَةِ الْهُمُومِ، وَإِلَّا ضَاعَتْ الْحُقُوقُ (قَوْلُهُ: وَلَمَّا حَذَفَ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ) أَيْ الَّذِي هُوَ الشَّهَادَةُ (قَوْلُهُ: أَتَى مَكَانَ الضَّمِيرِ بِظَاهِرٍ) ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ وَأَدَّى الشَّهَادَةَ أَيْ، وَالْمُقَدَّرُ كَالْمَذْكُورِ وَارْتَكَبَ ذَلِكَ التَّكَلُّفَ لِصِحَّةِ الْعِبَارَةِ (قَوْلُهُ: يَرَى الْقَوْلَ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مُقَلِّدًا لِإِمَامٍ يَرَى النَّفْعَ دَائِمًا أَوْ يَكُونُ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا أَيْ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلًا لَمْ يَرَ النَّفْعَ ثُمَّ يُؤَدِّيهِ اجْتِهَادُهُ إلَى النَّفْعِ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَاضِي مُقَلِّدًا وَيَجْزِمُ بِأَنَّهُ لَا يَرَى النَّفْعَ أَنَّهُ لَا يُؤَدِّي، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الطَّرَفِ الْأَوَّلِ كَفَى؛ لِأَنَّ هَذَا الرَّأْيَ صَادِقٌ بِأَنْ يَكُونَ بِاجْتِهَادِهِ أَوْ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: إلَّا عَلَى عَيْنِهِ) تَفْرِيغٌ فِي الْأَحْوَالِ أَيْ لَا يَعْرِفُهُ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي حَالِ تَعَيُّنِهِ بِشَخْصِهِ وَحِلْيَتِهِ فَلَيْسَ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى حَالًا مِنْ ذَاتٍ (تَنْبِيهٌ) : وَمِثْلُ مَنْ لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ مَنْ يُعْرَفُ نَسَبُهُ وَتَعَدَّدَ، وَأُرِيدَ الشَّهَادَةُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَدِّدِ، وَلَمْ يَتَمَيَّزْ عَنْ غَيْرِهِ فَمَنْ يَعْرِفُ أَنَّ لِزَيْدٍ بِنْتَيْنِ إحْدَاهُمَا فَاطِمَةُ وَالْأُخْرَى زَيْنَبُ وَأَرَادَ الشَّهَادَةَ عَلَى إحْدَاهُمَا وَكَانَ

الصفحة 207