كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

عَلِمْت أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَسْقُطُ بِقِيَامِ الْبَعْضِ بِهِ، وَيَتَعَيَّنُ بِمَا يَتَعَيَّنُ بِهِ فَرْضُ الْعَيْنِ كَمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَقُومُ بِهِ غَيْرُهُ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ يَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، وَيَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَنْتَفِعَ عَلَى التَّحَمُّلِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَإِنْ انْتَفَعَ كَانَ ذَلِكَ جُرْحَهُ فِي حَقِّهِ قَالَ مَالِكٌ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ يُدْعَى إلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ بَعْدَ أَنْ شَهِدَ فَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يَشْهَدَ فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ فِي سَعَةٍ إذَا كَانَ مَنْ يَشْهَدُ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ أَوْ خَافَ أَنْ يَبْطُلَ الْحَقُّ إنْ لَمْ يَشْهَدْ فَعَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا؛ إذْ قَدْ يَحْسُنُ حَالُهُ وَالْعِبْرَةُ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: إنْ اُفْتُقِرَ إلَيْهِ عَمَّا إذَا لَمْ يُفْتَقَرْ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ بَلْ وَلَا يُسْتَحَبُّ كَأَنْ يَقُولَ اشْهَدُوا عَلَى أَنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ وَالتَّحَمُّلُ لُغَةً يُطْلَقُ عَلَى الِالْتِزَامِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَدَاءَ مَا عَلِمَهُ، وَفِي عُرْفِ الشَّرْعِ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَلِمَ مَا يَشْهَدُ بِهِ بِسَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ فَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ اخْتِيَارِيٍّ مَا عَلِمَهُ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ كَمَنْ قَرَعَ سَمْعَهُ صَوْتُ مُطَلِّقٍ وَنَحْوُهُ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى تَحَمُّلًا.

(ص) وَتَعَيَّنَ الْأَدَاءُ مِنْ كَبَرِ يَدَيْنِ وَعَلَى ثَالِثٍ إنْ لَمْ يَجْتَزْ بِهِمَا (ش) تَقَدَّمَ أَنَّ التَّحَمُّلَ لِلشَّهَادَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَأَنَّ أَدَاءَهَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَهُوَ إنْشَاءٌ لَا خَبَرٌ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ تَحَمَّلَهَا أَنْ يُؤَدِّيَهَا إذَا كَانَ بَيْنَ مَحَلِّ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَبَيْنَ أَدَائِهَا بَرِيدَانِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَوَّاقِ أَنَّ الْكَافَ اسْتِقْصَائِيَّةٌ، وَظَاهِرُ مُقَابَلَةِ الْمُؤَلِّفِ لَهُ بِقَوْلِهِ: لَا كَمَسَافَةِ الْقَصْرِ أَنَّ مَا دُونَهَا يَتَعَيَّنُ الْأَدَاءُ مِنْهُ، وَإِنْ زَادَ عَلَى بَرِيدَيْنِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَكْتَفِي فِي الْأَدَاءِ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ، وَقَدْ عَرَّفَ ابْنُ عَرَفَةَ الْأَدَاءَ بِقَوْلِهِ: الْأَدَاءُ عُرْفًا إعْلَامُ الشَّاهِدِ الْحَاكِمَ بِشَهَادَتِهِ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِمَا شَهِدَ بِهِ قَوْلُهُ: بِشَهَادَتِهِ يَتَعَلَّقُ بِ " إعْلَامُ " وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ، وَقَوْلُهُ: بِمَا يَحْصُلُ إلَخْ بَيَانٌ لِمَا قَبْلَهُ مَعْنَاهُ إعْلَامُ الشَّاهِدِ الْحَاكِمَ بِشَهَادَتِهِ بِشَيْءٍ يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلْحَاكِمِ بِمَا شَهِدَ بِهِ وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ يَتَعَيَّنُ عَوْدُهُ عَلَى الْحَاكِمِ فَلَوْ شَهِدَ بِالْحَقِّ الْمَالِيِّ أَكْثَرُ مِنْ اثْنَيْنِ فَشَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي مِنْهُمْ اثْنَانِ، وَلَمْ يَجْتَزْ بِهِمَا لِعَدَمِ عَدَالَتِهِمَا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى ثَالِثٍ مِنْ الشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدَ فَإِنْ لَمْ يَجْتَزْ بِهِ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى رَابِعٍ وَعَلَى خَامِسٍ إلَى أَنْ يَثْبُتَ الْحَقُّ.

(ص) وَإِنْ انْتَفَعَ فَجَرْحٌ إلَّا رُكُوبَهُ لِعُسْرِ مَشْيِهِ وَعَدَمِ دَابَّتِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا كَانَ عَلَى مَسَافَةِ بَرِيدَيْنِ فَمَا دُونَ ذَلِكَ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ فَإِنَّهُ إذَا انْتَفَعَ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ عَلَى أَدَاءِ شَهَادَتِهِ يَكُونُ ذَلِكَ رِشْوَةً قَادِحَةً فِي عَدَالَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ أَجْرًا عَلَى أَدَاءِ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَخَذَ أَجْرًا عَلَى الصَّلَاةِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ أَمَّا إنْ لَمْ يَمْتَنِعْ وَدَفَعَ لَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ دَابَّةٌ وَتَعَسَّرَ عَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى مَحَلِّ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلَيْسَ بِجَرْحٍ وَيَجُوزُ لَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ بِدَابَّةٍ يَرْكَبُهَا إلَى مَحَلِّ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ أَدَاؤُهَا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَادِحًا فِي شَهَادَتِهِ، وَإِضَافَةُ الدَّابَّةِ لَهُ مُخْرِجٌ لِدَابَّةِ قَرِيبِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ اسْتِعَارَتُهَا وَوُجُودُ الْكِرَاءِ كَالدَّابَّةِ، وَقَوْلُهُ: إلَّا رُكُوبَهُ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَتَفْرِيقُ بَعْضِهِمْ تَعَمُّقٌ فِي الْفِقْهِ.

(ص) لَا كَمَسَافَةِ الْقَصْرِ وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْهُ بِدَابَّةٍ وَنَفَقَةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQحُرْمَتُهُ فِي مَذْهَبِهِ دُونَ مَذْهَبِ غَيْرِهِ، وَبَعْضٌ يَقُولُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: إنْ افْتَقَرَ إلَيْهِ عَنْ نَحْوِ تَحَمُّلِ شَهَادَةِ الرَّجْعَةِ (قَوْلُهُ: وَيَتَعَيَّنُ بِمَا يَتَعَيَّنُ بِهِ فَرْضُ الْعَيْنِ) أَيْ وَيَتَعَيَّنُ بِشَيْءٍ يَتَعَيَّنُ بِهِ فَرْضُ الْعَيْنِ (أَقُولُ) فَرْضُ الْعَيْنِ مُتَعَيِّنٌ مِنْ أَصْلِهِ فَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَيَتَعَيَّنُ إذَا لَمْ يُوجَدْ (قَوْلُهُ: وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ يَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ) كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَهَلْ الشُّرُوعُ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يَشْرَعَ الْمَشْهُودُ لَهُ فِي قَوْلِهِ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِضِمْنٍ لِكَذَا لَا قَبْلُ أَوْ بِمُجَرَّدِ إجَابَتِهِمْ لِذَلِكَ أَوْ لِحُضُورِهِمْ مَجْلِسَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَنْتَفِعَ عَلَى التَّحْمِيلِ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ فَرْضَ عَيْنِ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ، وَقَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ عَلَى الْأَدَاءِ أَيْ إذَا تَعَيَّنَ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَا تُنَاسِبُ تِلْكَ الْمُقَابَلَةَ؛ لِأَنَّ الْحَالَ اتَّحَدَ (قَوْلُهُ: كَأَنْ يَقُولَ إلَخْ) أَيْ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَثُبُوتِ شَهْرِ رَمَضَانَ (قَوْلُهُ: مُطَلِّقٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى تَحَمُّلًا) أَيْ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ إذَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمَوَّاقِ (أَقُولُ) الظَّاهِرُ قِيَاسًا عَلَى مَا قِيلَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ أَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الْبَرِيدَيْنِ يُعْطَى حُكْمَهُمَا وَمَا عَدَاهُمَا يَلْحَقُ بِالْبَعِيدِ (قَوْلُهُ: بِشَهَادَتِهِ) الْمُرَادُ بِهَا الْحَقُّ الْمَشْهُودُ بِهِ، وَقَوْلُهُ: بِمَا الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ أَيْ مُصَوِّرًا ذَلِكَ بِإِخْبَارٍ يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِمَا شَهِدَ بِهِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ عَدَالَتِهِمَا) أَيْ انْتَفَتْ الْعَدَالَةُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى الثَّالِثِ أَيْ وَيَحْلِفُ مَعَهُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَعَدَاوَةٍ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ قَرَابَتِهِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ، وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ وَاضِحَةٌ وَنَصُّهُ: وَهُوَ وَاجِبٌ عَيْنًا عَلَى مَنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى عَدَدِ مَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَشْهُودُ وَكِفَايَةً عَلَى مَنْ زَادَ عَدَدُهُ عَلَيْهِ حَاضِرًا كَوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْأَمْوَالِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّعَيُّنَ مَنُوطٌ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ.

(قَوْلُهُ: أَمَّا إنْ لَمْ يَمْتَنِعْ) حَاصِلُهُ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَنْعِ إذَا امْتَنَعَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَمْتَنِعْ فَلَا بَأْسَ، وَقَدْ تَبِعَ تت فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مُعْتَرِضٌ بِأَنَّ ظَاهِرَ النُّقُولِ الْإِطْلَاقُ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الِامْتِنَاعُ فِي صُورَةِ سُؤَالٍ وَقَعَ عَلَى طَرِيقِ الِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ دَابَّةٌ وَتَعَسَّرَ عَلَيْهِ الْمَشْيُ) مَفْهُومُهُ أَنَّ قُوَّتَهُ عَلَى الْمَشْيِ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الدَّابَّةِ اعْلَمْ أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ أَنَّ الْقَرِيبَ الَّذِي يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ قِسْمَانِ قَرِيبٌ جِدًّا تَقِلُّ فِيهِ النَّفَقَةُ وَمُؤْنَةُ الرُّكُوبِ، وَهَذَا لَا يَضُرُّ الشَّاهِدَ الرُّكُوبُ أَيْ رُكُوبُ دَابَّةِ الْمَشْهُودِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ دَابَّةٌ أَوْ أَكَلَ طَعَامَهُ وَغَيْرُ قَرِيبٍ جِدًّا يَكْثُرُ فِيهِ النَّفَقَةُ وَمُؤْنَةُ الرُّكُوبِ هَذَا تَبْطُلُ بِهِ شَهَادَتُهُ إنْ رَكِبَ دَابَّةَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَلَهُ دَابَّةٌ

الصفحة 213