كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَسِيرَ إلَى مَحَلِّ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ بَلْ يُؤَدِّيهَا عِنْدَ الْقَاضِي الَّذِي هُوَ فِي بَلَدِهِ، وَيَكْتُبُ بِهَا إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي الَّذِي عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَيَجُوزُ لِلشَّاهِدِ حِينَئِذٍ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ بِدَابَّةٍ يَرْكَبُهَا إلَى مَحَلِّ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَبِنَفَقَةٍ لَهُ وَلِأَهْلِ بَيْتِهِ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ.

(ص) وَحَلَفَ بِشَاهِدٍ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ لَا نِكَاحٍ فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ، وَإِنْ طَالَ دِينَ (ش) هَذَا رَاجِعٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ وَكُلُّ دَعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا أَيْ فَإِنْ لَمْ تَتَجَرَّدْ فَبَعْضُهَا تَتَوَجَّهُ فِيهِ الْيَمِينُ، وَبَعْضُهَا لَا تَتَوَجَّهُ وَالْبَاءُ فِي بِشَاهِدٍ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَقَامَتْ شَاهِدًا عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَوْ أَقَامَتْ امْرَأَتَيْنِ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقْضِي عَلَى الزَّوْجِ بِيَمِينٍ أَنَّهُ مَا طَلَّقَ فَإِنْ حَلَفَ رُدَّتْ الشَّهَادَةُ، وَإِنْ نَكَلَ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ فَإِنْ طَالَ حَبْسُهُ كَسَنَةٍ فَإِنَّهُ يُدَيَّنُ أَيْ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى سَيِّدِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فَإِنَّ السَّيِّدَ يَلْزَمُهُ يَمِينٌ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ، وَإِنْ طَالَ دُيِّنَ وَمِثْلُهُ إذَا أَقَامَ شَخْصٌ عَلَى آخَرَ شَاهِدًا أَنَّهُ قَذَفَهُ فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ يَمِينٌ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ، وَإِنْ طَالَ دُيِّنَ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ شَاهِدًا وَاحِدًا أَنَّهُ زَوْجٌ لِلْآخَرِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ فَإِنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ مِنْهُمَا فَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا آخَرَ عُمِلَ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لِشُهْرَتِهِ لَا يَكَادُ يَخْفَى عَلَى الْأَهْلِ وَالْجِيرَانِ فَالْعَجْزُ عَنْ إقَامَةِ شَاهِدَيْنِ بِهِ قَرِينَةٌ عَلَى كَذِبِ مُدَّعِيهِ وَأَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالنِّكَاحِ لَا يَثْبُتُ، وَلَا يَلْزَمُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، وَقَوْلُهُ: لَا نِكَاحَ أَيْ فِي غَيْرِ الطَّارِئَيْنِ وَأَمَّا فِيهِمَا فَتَتَوَجَّهُ عَلَى مُنْكِرِ النِّكَاحِ مِنْهُمَا بِالشَّاهِدِ لَا بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى.

(ص) وَحَلَفَ عَبْدٌ وَسَفِيهٌ مَعَ شَاهِدِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَمْ لَا إذَا أَقَامَ شَاهِدًا بِحَقٍّ مَالِيٍّ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ نَكَلَ الْعَبْدُ عَنْ الْيَمِينِ فَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَرِئَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ حَلَفَ سَيِّدُهُ وَاسْتَحَقَّ وَكَذَلِكَ السَّفِيهُ إذَا ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ بِحَقٍّ مَالِيٍّ وَأَقَامَ بِذَلِكَ شَاهِدًا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ الْآنَ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ لَكِنْ يَقْبِضُهُ النَّاظِرُ عَلَيْهِ ثُمَّ إنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ وَحَلَفَ إلَخْ أَنَّهُمَا يَدَّعِيَانِ فَعَلَى هَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّعْوَى الْحُرِّيَّةُ، وَلَا الرُّشْدُ وَهُوَ كَذَلِكَ بَلْ، وَلَا الْبُلُوغُ.

(ص) لَا صَبِيٌّ وَأَبُوهُ، وَإِنْ أَنْفَقَ (ش) يَعْنِي أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا أَقَامَ لَهُ شَاهِدًا بِحَقٍّ مَالِيٍّ وَرِثَهُ مِنْ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ أَوْ اسْتَحَقَّهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَالْيَمِينُ جُزْءُ نِصَابٍ لَا تَتْمِيمٌ وَكَذَلِكَ لَا يَحْلِفُ أَبُوهُ عَنْهُ مَعَ الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّ قَاعِدَةَ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَحْلِفُ لِيَسْتَحِقَّ غَيْرُهُ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ يُنْفِقُ عَلَى الِابْنِ بِحَيْثُ يَكُونُ لِيَمِينِهِ فَائِدَةٌ، وَهِيَ سُقُوطُ النَّفَقَةِ عَنْهُ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ وَقَيَّدَ الْخِلَافَ بِمَا إذَا لَمْ يَلِ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ فِيهِ الْمُعَامَلَةَ فَأَمَّا مَا وَلِيَهُ أَحَدُهُمَا فَالْيَمِينُ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْلِفْ غَرِمَ، وَالْوَاوُ مِنْ قَوْلِهِ: وَأَبُوهُ بِمَعْنَى أَوْ لَا بِمَعْنَى مَعَ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ أَنْفَقَ أَيْ إنْفَاقًا وَاجِبًا، وَأَمَّا إنْفَاقًا تَطَوُّعًا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْأَوَّلِ.

(ص) وَحَلَفَ مَطْلُوبٌ لِيُتْرَكَ بِيَدِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ أَكَلَ طَعَامَهُ عِنْدَ سَحْنُونَ وَقِيلَ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ لَا يَقْدِرُ عَلَى النَّفَقَةِ، وَلَا عَلَى اكْتِرَاءِ الدَّابَّةِ، وَهُوَ مِمَّنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ رَاجِلًا لَمْ تَبْطُلْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ أَنْفَقَ لَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ أَوْ اكْتَرَى لَهُ دَابَّةً، وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ مِنْ الْبُعْدِ بِحَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي مَنْ يَشْهَدُ عِنْدَهُ بِمَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ فَلَا يَضُرُّ لَهُ أَكْلُ طَعَامِ الْمَشْهُودِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَلَا رُكُوبُ دَابَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ دَابَّةٌ انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ: إلَّا رُكُوبَهُ ذَهَابًا وَإِيَابًا أَيْ بِنَفْسِهِ أَوْ أُجْرَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَرْكَبْ بَلْ تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَأَخَذَ أُجْرَةً وَمَشَى فَيَكُونُ جُرْحَةً فِيمَا يَظْهَرُ، وَقَوْلُهُ: وَتَفْرِيقُ بَعْضِهِمْ بِأَنْ يَقُولَ: الْمُرَادُ رُكُوبُ الدَّابَّةِ فِي الذَّهَابِ فَقَطْ.

(قَوْلُهُ: بَلْ يُؤَدِّيهَا عِنْدَ الْقَاضِي) لَيْسَ بِلَازِمٍ قَالَ سَحْنُونَ إنْ كَانَ الشُّهُودُ عَلَى مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَأَكْثَرَ لَمْ يُشَخَّصُوا لِمِثْلِ ذَلِكَ وَيَشْهَدُونَ عِنْدَ مَنْ يَأْمُرُهُمْ الْقَاضِي بِهِ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ وَيَكْتُبُ بِمَا شَهِدُوا بِهِ عِنْدَهُ إلَى الْقَاضِي. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَأَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالنِّكَاحِ لَا يَلْزَمُهُ) أَيْ فَمُدَّعِيهِ مُدَّعٍ أَمْرًا مُسْتَبْعَدًا؛ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَتَوَقَّفُ عَلَى عَاقِدَيْنِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ) وَأَيْضًا الْأَصْلُ عَدَمُ النِّكَاحِ فَمَنْ ادَّعَاهُ ادَّعَى خِلَافَ الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ مَنْ ادَّعَاهُمَا ادَّعَى الْأَصْلَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ وَعَدَمُ الْعِصْمَةِ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَحْلِفُ) فَإِنْ نَكَلَ السَّفِيهُ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ وَيَبْرَأُ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ) وَمُقَابِلُهُ أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَحْلِفَ وَيَأْخُذَهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا قَامَ لِلصَّبِيِّ شَاهِدٌ بِحَقٍّ وَرِثَهُ مِنْ أُمِّهِ أَوْ غَيْرِهَا فَهَلْ لِلْأَبِ أَنْ يَحْلِفَ وَيَأْخُذَهُ قَوْلَانِ وَالْخِلَافُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْإِنْفَاقُ وَاجِبًا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ بِأَنْ يَكُونَ الِابْنُ فَقِيرًا، وَقَوْلُهُ: مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْ الْمَشْهُورُ مِنْ أَقْوَالِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمِنْ رِوَايَاتِهِ وَالْمَعْلُومُ مِنْ أَقْوَالِهِ وَرِوَايَاتِهِ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ الْخِلَافَ إلَخْ) وَكَذَا الْقَيْدُ يَجْرِي فِي السَّفِيهِ فَيُقَالُ وَحَلَفَ السَّفِيهُ مَعَ شَاهِدِهِ فِيمَا لَمْ يَتَوَلَّ وَلِيُّهُ الْمُبَايَعَةَ عَلَيْهِ أَيْ وَأَمَّا لَوْ تَوَلَّاهَا وَلِيُّهُ فَإِنَّهُ الَّذِي يَحْلِفُ مَعَ إقَامَةِ الشَّاهِدِ (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى أَوْ) أَيْ وَأَوْ إذَا دَخَلَتْ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ يَكُونُ النَّفْيُ مُنْصَبًّا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ مَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ.

(قَوْلُهُ: لِيُتْرَكَ بِيَدِهِ) وَلَهُ غَلَّتُهُ، وَإِنْ كَانَ التَّرْكُ بِيَدِهِ حَوْزًا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَالْغَلَّةُ لِلْقَضَاءِ، وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَأَمَّا لَوْ قَامَ لَهُ شَاهِدَانِ بِحَقٍّ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ، وَلَا يُتْرَكُ بِيَدِ الْمَطْلُوبِ وَلَكِنْ تُؤَخَّرُ يَمِينُ

الصفحة 214