كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

شَهِدَا عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ قَذَفَ شَخْصًا فَحُدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا وَاعْتَرَفَا بِالزُّورِ فَإِنَّهُمَا يُؤَدَّبَانِ إذْ لَمْ يُتْلِفَا مَالًا فَيَغْرَمَانِهِ، وَلَا نَفْسًا فَيُطْلَبَانِ بِدِيَتِهَا، وَمِثْلُ الْقَذْفِ الضَّرْبُ وَالشَّتْمُ وَنَحْوُ ذَلِكَ.

(ص) وَحُدَّ شُهُودُ الزِّنَا مُطْلَقًا (ش) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَخْصٍ بِالزِّنَا ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ، وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ رَجَعُوا قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَسَوَاءٌ حُدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَمْ لَا.

قَوْلُهُ: (ص) كَرُجُوعِ أَحَدِ الْأَرْبَعَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَعْدَهُ حُدَّ الرَّاجِعُ فَقَطْ (ش) تَشْبِيهٌ فِي وُجُوبِ حَدِّ الْأَرْبَعَةِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَخْصٍ بِالزِّنَا ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنَّ الشُّهُودَ الْأَرْبَعَةَ يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَكْمُلْ أَمَّا لَوْ رَجَعَ أَحَدُ الشُّهُودِ بَعْدَ الْحُكْمِ فَإِنَّمَا يُحَدُّ الرَّاجِعُ فَقَطْ عَلَى الْمَشْهُورِ لِاعْتِرَافِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقَذْفِ دُونَ غَيْرِهِ، وَالْحُكْمُ نَافِذٌ تَامٌّ بِشَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ فَيُسْتَوْفَى مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا ظَهَرَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ عَبْدٌ فَإِنَّ الْحَدَّ عَلَى الْجَمِيعِ فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَهُمْ فَاسِقٌ بَعْدَ الْحُكْمِ فَلَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَمَّتْ بِاجْتِهَادِ الْقَاضِي، وَأَلْحَقُوا بِالْعَبْدِ الْكَافِرَ وَالْأَعْمَى أَيْ فِيمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهِ، وَوَلَدُ الزِّنَا كَذَلِكَ، وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِ اُنْظُرْ تت فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَغَرِمَا فَقَطْ رُبُعَ الدِّيَةِ.

(ص) وَإِنْ رَجَعَ اثْنَانِ مِنْ سِتَّةٍ فَلَا غُرْمَ، وَلَا حَدَّ إلَّا إنْ تَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ عَبْدٌ فَيُحَدُّ الرَّاجِعَانِ وَالْعَبْدُ (ش) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ سِتَّةٌ عَلَى شَخْصٍ بِالزِّنَا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا ثُمَّ رَجَعَ اثْنَانِ مِنْ تِلْكَ السِّتَّةِ فَإِنَّهُ لَا غَرَامَةَ عَلَيْهِمَا، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا كَقَاذِفَيْنِ شَهِدَ لَهُمَا أَرْبَعَةٌ أَنَّ الْمَقْذُوفَ قَدْ زَنَى، وَلَكِنْ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الْأَدَبُ الشَّدِيدُ بِالِاجْتِهَادِ فَلَوْ تَبَيَّنَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَبَعْدَ رُجُوعِ الِاثْنَيْنِ أَنَّ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ عَبْدٌ فَإِنَّهُ يُحَدُّ الرَّاجِعَانِ وَالْعَبْدُ وَحْدَهُ نِصْفَ حَدِّ الْحُرِّ وَعُلِّلَ حَدُّ الثَّلَاثَةِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّ الْحَدَّ قَدْ أُقِيمَ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ بَطَلَ أَحَدُهُمْ لِكَوْنِهِ عَبْدًا، وَلَا حَدَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ، وَلَا غَرَامَةَ فَإِنْ قُلْت: قَدْ مَرَّ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ عَبْدٌ يُحَدُّ الْجَمِيعُ وَهُنَا جَعَلْتُمْ الْحَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَى الرَّاجِعَيْنِ فَقَطْ قُلْت؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى لَمْ يَبْقَ أَرْبَعَةٌ غَيْرُهُ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّهُ بَقِيَ خَمْسَةٌ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الرَّاجِعَيْنِ مَعْمُولٌ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُكْمَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَيْهَا لَا يُنْقَضُ (ص) وَغَرِمَا فَقَطْ رُبُعَ الدِّيَةِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الرَّاجِعَيْنِ يَغْرَمَانِ فَقَطْ رُبُعَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَلَوْ كَثُرُوا فِي حُكْمِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ تَكْمِلَةَ النِّصَابِ وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّهُ لَا غَرَامَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ الشَّهَادَةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُحَدُّ، وَلَا غَرَامَةَ، وَلَا حَدَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ إذَا شَهِدَ مَعَهُمْ اثْنَانِ، وَلَا عِبْرَةَ فِي حَقِّهِمْ بِرُجُوعِ مَنْ رَجَعَ.

(ص) ثُمَّ إنْ رَجَعَ ثَالِثٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: فَحُدَّ إلَخْ) كَذَا النَّقْلُ عَنْ سَحْنُونَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا لَوْ رَجَعَا قَبْلَهُ لَا أَدَبَ عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ حَصَلَ الِاسْتِيفَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَا، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِكَوْنِ الِاسْتِيفَاءِ مُسْتَنِدًا إلَى شَهَادَتِهِمْ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ الْقَذْفِ الضَّرْبُ) أَيْ دَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ مَا أَوْجَبَ التَّعْزِيرَ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَذْفَ يُوجِبُ الْحَدَّ، وَالضَّرْبُ وَالشَّتْمُ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُدْخَلَ الْكَافِ مَا لَيْسَ فِيهِ مَالٌ، وَلَا دِيَةٌ وَيُفَوِّتُ الْمُصَنِّفُ حِينَئِذٍ أَدَبَهُمَا فِيمَا فِيهِ غُرْمٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَإِنْ جُعِلَ مَدْخُولُ الْكَافِ شَامِلًا لِمَا فِيهِ غُرْمٌ كَغَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ ثُمَّ لَمَّا رَجَعَا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَغَرِمَا الْمَالَ وَدِيَةَ الْيَدِ فَيُؤَدَّبَانِ أَيْضًا، وَيُقَيَّدُ الْأَدَبُ فِيمَا مَرَّ فِي النَّفْسِ بِالْأَوْلَى، وَمَحَلُّ أَدَبِهِمَا فِي رُجُوعِهِمَا فِي كَقَذْفٍ حَيْثُ تَبَيَّنَ كَذِبُهُمَا تَعَمُّدًا فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ شُبِّهَ عَلَيْهِمَا فَلَا أَدَبَ وَإِنْ أَشْكَلَ فَقَوْلَانِ.

(قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ حُدَّ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُغْنِي عَنْ هَذَا قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ

(قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ لِاعْتِرَافِهِ إلَخْ) مُقَابِلُ الْمَشْهُورِ يُحَدُّونَ كُلُّهُمْ (قَوْلُهُ: تَمَّتْ بِاجْتِهَادِ الْقَاضِي) وَإِنَّمَا تَمَّتْ الشَّهَادَةُ مَعَ تَبَيُّنِ فِسْقِ الْبَعْضِ دُونَ تَبَيُّنِ رِقِّهِ أَوْ كُفْرِهِ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ قَدْ يَخْفَى فَالْقَاضِي مَعْذُورٌ فَلَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ مَعَ تَبَيُّنِ الْفِسْقِ، وَأَمَّا الرِّقُّ وَالْكُفْرُ فَالْغَالِبُ ظُهُورُهُمَا فَالْقَاضِي قَدْ حَكَمَ مُقَصِّرًا فَيُنْقَضُ حُكْمُهُ ثُمَّ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَقُولُ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ يُنْقَضُ إذَا ظَهَرَ أَنَّ أَحَدَ الشُّهُودِ فَاسِقٌ كَمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُطَابِقَ لِلْفِقْهِ أَنَّ الْفَاسِقَ كَالْعَبْدِ فِي حَدِّ الْجَمِيعِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَعْدَهُ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ، وَأَنَّ الْفَاسِقَ يُفَارِقُ الْعَبْدَ فِي عَدَمِ حَدِّ الْجَمِيعِ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ فَهُوَ مَحَلُّ مُفَارَقَتِهِمَا، وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ عَلِمَ بَعْدَ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ أَنَّ أَحَدَهُمْ عَبْدٌ حُدَّ الشُّهُودُ أَجْمَعُ، وَإِنْ كَانَ مَسْخُوطًا لَمْ يُحَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَدْ تَمَّتْ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ فِي عَدَمِ التُّهَمِ، وَلَمْ تَتِمَّ فِي الْعَبْدِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَوَلَدُ الزِّنَا كَذَلِكَ) أَيْ يَلْحَقُ وَلَدُ الزِّنَا بِالْعَبْدِ فِيمَا لَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَتُهُ، وَقَوْلُهُ: وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِ أَيْ مُلْحَقٌ بِالْعَبْدِ أَيْ فِي جَمِيعِ الْحَدِّيَّاتِ لَا فِي خُصُوصِ شَيْءٍ كَمَا قِيلَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ، وَقَوْلُهُ: اُنْظُرْ تت وَعِبَارَةُ تت وَكَذَا أَلْحَقُوا بِالْعَبْدِ الْأَعْمَى وَوَلَدَ الزِّنَا وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَالْكَافِرَ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ تَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ عَبْدٌ) أَيْ أَوْ كَافِرٌ لَا فَاسِقٌ (قَوْلُهُ: بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْعَدَدَ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُقَامُ بِأَكْثَرَ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ أَقَلُّ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْحَدُّ الْأَرْبَعَةَ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا، وَقَوْلُهُ: بَطَلَ أَحَدُهُمْ لِكَوْنِهِ عَبْدًا لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَقْتَضِي حَدَّ الْعَبْدِ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُشِيرُ إلَى عِلَّةِ حَدِّ الرَّاجِعِينَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ الشَّهَادَةِ) الْأَوْلَى مَا عَلَّلَ بِهِ ابْنُ مَرْزُوقٍ مِنْ أَنَّ مَالَهُ لِسَيِّدِهِ، وَأَمَّا تَعْلِيلُهُ الْمَذْكُورُ فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ لَغَرِمَ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ رُجُوعًا، وَإِنْ رَجَعَ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ رَجَعَ ثَالِثٌ) أَيْ بَعْدَ رُجُوعِ اثْنَيْنِ مِنْ سِتَّةٍ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ فِي الْمَسْأَلَةِ عَبْدٌ، وَلَيْسَ رَاجِعًا لِمَا يَلِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ رَجَعَ اثْنَانِ مِنْ سِتَّةٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: حُدَّ هُوَ وَالسَّابِقَانِ، وَلَوْ كَانَ رَاجِعًا لِمَا يَلِيهِ لَقَالَ هُوَ وَالسَّابِقُونَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَأَيْضًا إنَّمَا أَتَى بِمَسْأَلَةِ الْعَبْدِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِثْنَاءِ فَهِيَ بِحَسَبِ التَّبَعِ، وَالْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ مَا قَبْلَهَا.

الصفحة 221