كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

وَإِنْ ظَهَرَ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَخَذَ مِنْ كُلٍّ نِصْفَهُ وَكَمَّلَ بِالْقِيمَةِ وَرَجَعَا عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا عَرَفَهُ الْعَبْدُ لِلْغَرِيمِ (ش) الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا إلَّا أَنَّهُ ظَهَرَ دَيْنٌ عَلَى الْمَيِّتِ يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ كُلَّهَا، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ فَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَلَدَيْنِ النِّصْفُ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ التَّرِكَةِ تَبْدِئَةً لِلْمَالِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَيَكْمُلُ بِالْقِيمَةِ الَّتِي اخْتَصَّ بِهَا ثَابِتُ النَّسَبِ ثُمَّ يَرْجِعُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْوَلَدِ الثَّابِتِ النَّسَبِ بِقَدْرِ مَا غَرِمَاهُ؛ لِأَنَّهُمَا غَرِمَاهُ لَهُ بِسَبَبِ إتْلَافِهِ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا فَلَمَّا ثَبَتَتْ التَّرِكَةُ لِلدَّيْنِ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُمَا لَمْ يُتْلِفَا شَيْئًا بِشَهَادَتِهِمَا وَاَلَّذِي أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ هُوَ النِّصْفُ الَّذِي أَخَذَهُ الْمُسْتَلْحِقُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْعَبْدِ فَقَوْلُهُ: بِمَا غَرِمَهُ الْعَبْدُ لِلْغَرِيمِ أَيْ بِمِثْلِ مَا غَرِمَهُ مَنْ كَانَ عَبْدًا لِرَبِّ الدَّيْنِ فَإِذَا كَانَ غُرْمُهُ جَمِيعَ مَا بِيَدِهِ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ رَجَعَا عَلَى الثَّابِتِ النَّسَبِ بِمِثْلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُمَا لَمْ يُضَيِّعَا عَلَيْهِ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ رَجَعَا عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ.

(ص) وَإِنْ كَانَ بِرِقٍّ لِحُرٍّ فَلَا غُرْمَ إلَّا لِكُلِّ مَا اُسْتُعْمِلَ وَمَالٌ اُنْتُزِعَ، وَلَا يَأْخُذُهُ الْمَشْهُودُ لَهُ وَوَرِثَ عَنْهُ وَلَهُ عَطِيَّتُهُ لَا تَزَوُّجٌ (ش) يَعْنِي فَإِنْ كَانَ الرُّجُوعُ عَنْ شَهَادَةٍ وَقَعَتْ بِرِقٍّ لِحُرٍّ إلَخْ فَإِذَا شَهِدَا عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ عَبْدٌ لِفُلَانٍ، وَهُوَ يَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِرِقِّهِ لِفُلَانٍ ثُمَّ رَجَعَا فَإِنَّهُ لَا غَرَامَةَ عَلَيْهِمَا فِي الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ، وَالْحُرُّ لَا قِيمَةَ لَهُ فَإِنْ اسْتَعْمَلَ السَّيِّدُ ذَلِكَ الْعَبْدَ فِي شَيْءٍ مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا فَإِنَّهُمَا يَغْرَمَانِ لَهُ نَظِيرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ، وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ انْتَزَعَ مِنْهُ مَالًا فَإِنَّهُمَا يَغْرَمَانِ لَهُ نَظِيرَ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَالَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ عِوَضًا عَمَّا أَخَذَهُ السَّيِّدُ مِنْهُ وَبِعِبَارَةٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَأْخُذْ الْمَشْهُودُ لَهُ الْمَالَ مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ حُرْمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْعَبْدُ بِحَسَبِ شَهَادَتِهِمَا الْمَرْجُوعِ عَنْهَا ظُلْمٌ؛ إذْ هُوَ مُعْتَقِدٌ رِقِّيَّتَهُ فَلَا يُبَاحُ لَهُ أَخْذُ مَا ظَلَمَهُمَا بِهِ، وَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ وَتَرَكَ هَذَا الْمَالَ أَوْ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ عَنْهُ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ بِالْحُرِّيَّةِ، وَلَا يَرِثُهُ سَيِّدُهُ هَذَا؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ إنَّمَا أَخَذَ الْمَالَ عَلَى تَقْدِيرِ الْحُرِّيَّةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ حُرٌّ فَبَيْتُ الْمَالِ وَلِلْعَبْدِ أَنْ يُعْطِيَهُ لِمَنْ شَاءَ بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فِي ثُلُثٍ أَوْ عِتْقٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِذَلِكَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ يُنْقِصُ رَقَبَتَهُ، وَاللَّامُ فِي لِحُرٍّ بِمَعْنَى عَلَى، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِحُرٍّ صِفَةً لِرِقٍّ أَيْ بِرِقٍّ كَائِنٍ لِحُرٍّ أَيْ حُرٍّ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ وَبِعِبَارَةٍ الْبَاءُ بِمَعْنَى عَنْ أَيْ: وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُمَا عَنْ رِقٍّ أَيْ عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِرِقٍّ، وَقَوْلُهُ: لِحُرٍّ اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِرِقٍّ أَنَّهُ لِحُرٍّ فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَفُلَانٌ يَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ فِيهِ نَظَرٌ، وَعِبَارَةُ الْمَوَّاقِ، وَهُوَ أَيْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ يَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ.

(ص) وَإِنْ كَانَ بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو ثُمَّ قَالَا لِزَيْدٍ غَرِمَا خَمْسِينَ لِعَمْرٍو فَقَطْ (ش) أَيْ: وَإِنْ كَانَ الرُّجُوعُ عَنْ شَهَادَةٍ وَقَعَتْ بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو أَيْ: وَإِذَا شَهِدَ بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا عَلَى بَكْرٍ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا وَقَالَا بَلْ الْمِائَةُ كُلُّهَا لِزَيْدٍ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمَا ذَلِكَ وَيَغْرَمَانِ لِبَكْرٍ الْخَمْسِينَ الَّتِي أَخَذَهَا عَمْرٌو مِنْ الْمِائَةِ، وَلَا شَيْءَ لِزَيْدٍ مِنْ الْمِائَةِ سِوَى خَمْسِينَ فَقَطْ فَاللَّامُ فِي لِعَمْرٍو لِلْعِلَّةِ أَيْ يَغْرَمَانِ خَمْسِينَ لِبَكْرٍ لِأَجْلِ رُجُوعِهِمَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا لِعَمْرٍو، وَفِيهِ تَكَلُّفٌ، وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ دَعْوَى الْخَطَأِ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لِلْغَرِيمِ، وَهُوَ الْمُقْتَضَى عَلَيْهِ أَيْ غَرِمَا خَمْسِينَ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لِأَجْلِ عَمْرٍو.

(ص) وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا غَرِمَا نِصْفَ الْحَقِّ (ش) يَعْنِي إذَا شَهِدَا عَلَى شَخْصٍ بِحَقٍّ فَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِهِ لِصَاحِبِهِ ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَغْرَمُ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ نِصْفَ ذَلِكَ الْحَقِّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِ الرُّجُوعِ وَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِمَسْأَلَةِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَلَعَلَّهُ إنَّمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ يَغْرَمُ الْكُلَّ لِكَوْنِ الرُّجُوعِ عَنْ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَشْهُودِ بِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَهِدَ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَكَمَّلَ بِالْقِيمَةِ) إنَّمَا كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا مِيرَاثًا غَيْرُ مُحَقَّقٍ؛ إذْ الْمُسْتَلْحَقُ بِالْفَتْحِ يَدَّعِي أَنَّهَا لَيْسَتْ لِأَبِيهِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ الثَّابِتِ النَّسَبِ، وَلَوْ تَأَخَّرَ وُجُودُهُ عَمَّنْ شَهِدَ بِبُنُوَّتِهِ، وَقَوْلُهُ: كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ مُسْتَغْرِقٌ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ عَلِمْت هَذَا كُلَّهُ مِنْ أَنَّ الْقِيمَةَ يُبْدَأُ بِهَا إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ الْمَأْخُوذَةُ بَاقِيَةً وَحْدَهَا لَا أَنَّهَا تَلِفَتْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: فَلَا غُرْمَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ حَكَمَ عَلَيْهِ بِالرِّقِّيَّةِ، وَإِنْ كَانَ يَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ وَثَبَتَتْ دَعْوَاهُ الْحُرِّيَّةَ لَا غُرْمَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ، وَالْحُرُّ لَا قِيمَةَ لَهُ، وَكَمَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالرِّقِّيَّةِ يُحْكَمُ بِالرِّقِّيَّةِ عَلَى أَوْلَادِهِ مِنْ أَمَتِهِ، وَأَنْ يَجْرِيَ فِيهِمْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا لِكُلِّ مَا اسْتَعْمَلَ إلَخْ (قَوْلُهُ: إلَّا لِكُلِّ مَا اسْتَعْمَلَ إلَخْ) وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا إذَا كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ أَحْرَارٌ فَيَرْجِعُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِالنَّفَقَةِ الَّتِي فَوَّتَاهَا عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ: وَتَرَكَ هَذَا الْمَالَ أَوْ غَيْرَهُ) فِي زِيَادَةِ أَوْ غَيْرِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا تَجْرِي، وَقَدْ أَسْقَطَهَا بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَهُوَ حَسَنٌ وَحَيْثُ قُلْتُمْ لَيْسَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ أَخْذُهُ إلَخْ يُعَايَا بِهَا فَيُقَالُ: عَبْدٌ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُ مَالِهِ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ كِتَابَةٌ، وَلَا تَدْبِيرٌ، وَلَا عِتْقٌ لِأَجَلٍ، وَلَهُ أَنْ يَهَبَ وَيَتَصَدَّقَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عَيْبٌ يُنْقِصُ رَقَبَتَهُ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ لَهُ التَّزَوُّجَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَانْظُرْ التَّسَرِّيَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَالْقِنِّ أَوْ كَالْمُكَاتَبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ بَيْعَهُ نَظَرًا لِلْمِلْكِيَّةِ، وَلَهُ وَطْؤُهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً إنْ عَلِمَ صِدْقَ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ بِالرِّقِّيَّةِ لَا إنْ عَلِمَ عَدَمَهَا فَالْحُرْمَةُ وَكَذَا مَعَ الشَّكِّ احْتِيَاطًا (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الشَّارِحِ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ قَالَ يُرِيدُ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ عَبْدٌ لِفُلَانٍ، وَفُلَانٌ يَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ.

(قَوْلُهُ: وَيَغْرَمَانِ لِبَكْرٍ) أَيْ وَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ عَلَى حَالِهِ، وَهُوَ أَنَّ زَيْدًا يَبْقَى بِيَدِهِ خَمْسُونَ وَعَمْرًا كَذَلِكَ تَبْقَى بِيَدِهِ الْخَمْسُونَ الْأُخْرَى، وَلَا يُزَادُ زَيْدٌ شَيْئًا بِسَبَبِ الرُّجُوعِ (قَوْلُهُ: سِوَى خَمْسِينَ فَقَطْ) أَيْ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا لَهُ هَذِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لِتَجْرِيحِهِمَا بِرُجُوعِهِمَا.

الصفحة 227