كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

بَيِّنَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا حَضَرَتْ؛ لِأَنَّهُ مَا اسْتَحْلَفَ خَصْمَهُ إلَّا عَلَى إسْقَاطِهَا؛ فَلِذَا سَقَطَتْ بِمُجَرَّدِ الْحَلِفِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْإِسْقَاطِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ، وَهُوَ حَمْلُ الْأَكْثَرِ لِلْمُدَوَّنَةِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا فَلَهُ الْقِيَامُ بِهَا وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: فِي نَفْيِ الْعِلْمِ مَعَ يَمِينِهِ قَالَهُ سَحْنُونَ فَقَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَحْلَفَ أَيْ وَحَلَفَ بِالْفِعْلِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ مُجَرَّدَ الطَّلَبِ مُسْقِطٌ لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ، وَإِنْ نَفَاهَا وَاسْتَحْلَفَهُ فَلَا بَيِّنَةَ لَهُ إلَّا لِعُذْرٍ كَنِسْيَانٍ قُلْت: لَا؛ لِأَنَّهُ هُنَا أَفَادَ تَفْصِيلًا لَمْ يُفِدْهُ هُنَاكَ.

(ص) وَإِنْ نَكَلَ فِي مَالٍ وَحَقِّهِ اسْتَحَقَّ بِهِ بِيَمِينٍ إنْ حَقَّقَ (ش) فَاعِلُ نَكَلَ هُوَ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي مَالٍ أَوْ حَقٍّ مَالِيٍّ كَأَجَلٍ وَخِيَارٍ وَنَكَلَ عَنْهَا اسْتَحَقَّ الطَّالِبُ الْحَقَّ بِالنُّكُولِ مَعَ الْيَمِينِ، فَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِالْبَاءِ يَرْجِعُ لِلنُّكُولِ، وَالْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ أَيْ اسْتَحَقَّ الْحَالِفُ الْمَالَ بِالنُّكُولِ مَعَ الْيَمِينِ فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ، وَلَمْ يَحْلِفْ مَعَ النُّكُولِ سَقَطَ حَقُّهُ، وَمَحَلُّ تَوَجُّهِ الْيَمِينِ عَلَى الطَّالِبِ بَعْدَ نُكُولِ الْمَطْلُوبِ حَيْثُ حَقَّقَ الطَّالِبُ الدَّعْوَى أَمَّا إنْ كَانَ مُوجِبُ الْيَمِينِ التُّهْمَةَ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِيَمِينِ الطَّالِبِ بَلْ يَغْرَمُ الْمَطْلُوبَ بِمُجَرَّدِ نُكُولِهِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ تَوَجُّهُهَا وَعَدَمُ انْقِلَابِهَا.

(ص) وَلْيُبَيِّنْ الْحَاكِمُ حُكْمَهُ (ش) الضَّمِيرُ الْمُضَافُ إلَيْهِ " حُكْمَ " يَرْجِعُ لِلنُّكُولِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ حُكْمَ النُّكُولِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ إنْ نَكَلْت حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاسْتَحَقَّ، وَهَذَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ كَالْإِعْذَارِ فِي مَحَلِّهِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

(ص) وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهَا إنْ نَكَلَ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ كَانَ مُدَّعِيًا، أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَنَكَلَ عَنْهَا ثُمَّ أَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَحْلِفَهَا فَإِنَّهُ لَا يُجَابُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِ خَصْمِهِ، وَيَتِمُّ نُكُولُهُ بِقَوْلِهِ: لَا أَحْلِفُ أَوْ بِقَوْلِهِ لِخَصْمِهِ: احْلِفْ أَنْتَ أَوْ يَتَمَادَى عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْحَلِفِ قَوْلُهُ: إنْ نَكَلَ: عِنْدَ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ.

(ص) بِخِلَافِ مُدَّعٍ الْتَزَمَهَا ثُمَّ رَجَعَ (ش) أَيْ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَيُمَكَّنُ مِنْهَا قِيلَ: الصَّوَابُ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَوَهَّمُ؛ إذْ رُبَّمَا يُقَالُ: إنَّهُ لَمَّا الْتَزَمَهَا تَعَلَّقَ لِلْمُدَّعِي حَقٌّ فَبِرُجُوعِهِ يَغْرَمُ بِخِلَافِ الْمُدَّعِي إذَا أَقَامَ شَاهِدًا، وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ ثُمَّ رَجَعَ فَإِنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ قَبُولِ رُجُوعِهِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ نُسْخَةَ مُدَّعٍ صَوَابٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمَّا أَرَادَ الْحَلِفَ ثُمَّ رَجَعَ كَانَ ذَلِكَ قَرِينَةً عَلَى أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُ ثَابِتٍ، وَلَيْسَ لَهُ يَمِينٌ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَيْضًا لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا غَيْرَ مُتَوَهَّمَةٍ - حَيْثُ سُلِّمَ ذَلِكَ - أَنْ تَكُونَ خَطَأً وَعَلَّلَ الشَّارِحُ عَدَمَ لُزُومِ الْيَمِينِ بِالْتِزَامِهَا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّ الْتِزَامَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQغَائِبَةٌ أَيْ قَرِيبَةٌ أَوْ بَعِيدَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَحَقِّهِ) الْمُرَادُ بِحَقِّهِ مَا يَئُولُ إلَى الْمَالِ وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ لِلنُّكُولِ (قَوْلُهُ: بِيَمِينٍ إنْ حَقَّقَ) تَفْرِيعٌ عَلَى تَوَجُّهِ يَمِينِ التُّهْمَةِ، وَقَوْلُهُ: فِي الْقَضَاءِ فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ إلَخْ يَقْتَضِي عَدَمَ سَمَاعِ دَعْوَى التُّهْمَةِ فَضْلًا عَنْ تَوَجُّهِ الْيَمِينِ فِيهَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ الْقَوْلَانِ بِالتَّوَجُّهِ وَعَدَمِهِ وَسَاقَ مُحَشِّي تت النَّقْلَ الدَّالَّ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ آخِرًا إذَا عَلِمْت هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ قَوْلَ الْأُجْهُورِيِّ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ: إنْ حَقَّقَ سَمَاعَ دَعْوَى التُّهْمَةِ، وَهُوَ وَاضِحٌ، وَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَضَاءِ مِنْ قَوْلِهِ فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ، وَإِلَّا لَمْ تُسْمَعْ فَهُوَ فِي غَيْرِ دَعْوَى الِاتِّهَامِ وَأَمَّا فِيهَا فَتُسْمَعُ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا مَعْنَى لَهُ إذْ كُلُّ مَا خَالَفَ التَّحْقِيقَ فَهُوَ تُهْمَةٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ كَلَامُهُ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاتِّهَامِ كَوْنُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الِاتِّهَامِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا عَلِمْت مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ يَمِينَ التُّهْمَةِ أَعْنِي الْمُقَابِلَةَ لِلْمُحَقَّقَةِ تَتَوَجَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التُّهَمِ نَعَمْ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ يَشْتَرِطُونَ ذَلِكَ لِمُوجَبٍ، وَهِيَ قَلِيلَةٌ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلْيُبَيِّنْ الْحَاكِمُ حُكْمَهُ) سَوَاءٌ كَانَتْ دَعْوَى تَحْقِيقٍ أَوْ دَعْوَى اتِّهَامٍ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: إنْ نَكَلْت حَلَفَ غَرِيمُك وَاسْتَحَقَّ مَا ادَّعَاهُ، وَإِنْ نَكَلْت غَرِمْت بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ فَقَوْلُ شَارِحِنَا حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاسْتَحَقَّ هَذَا فِي دَعْوَى التَّحْقِيقِ وَسَكَتَ عَنْ دَعْوَى الِاتِّهَامِ، وَقَدْ عَرَفْتهَا (قَوْلُهُ: وَهَذَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْإِمَامِ وَاَلَّذِي فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ ظَاهِرُهُ الِاسْتِحْبَابُ، وَهَذَا فِيمَنْ لَا يَعْرِفُهُ الْقَاضِي أَوْ يَعْرِفُهُ، وَيَعْرِفُ مِنْهُ الْجَهْلَ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْتِزَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ مُصَاحِبٌ لِإِلْزَامِ اللَّهِ لَهُ الْيَمِينَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ الْتَزَمَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ الْيَمِينُ.

(قَوْلُهُ: كَانَ مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ) مِثَالُ الثَّانِي ظَاهِرٌ وَمِثَالُ الْأَوَّلِ مَا أَشَارَ لَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ فِيهَا فِيمَنْ قَامَ لَهُ شَاهِدٌ بِحَقٍّ فَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَبُو عِمْرَانَ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَمَادَى عَلَى الِامْتِنَاعِ) أَيْ بِأَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ وَيَسْتَمِرَّ سَاكِتًا.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مُدَّعٍ) وَمِثْلُهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْتَزَمَهَا أَيْ الْيَمِينَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهَا فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ بِخِلَافِ مَنْ الْتَزَمَهَا ثُمَّ رَجَعَ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ: لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الْيَمِينِ الَّتِي الْتَزَمَهَا، وَقَوْلُهُ: وَيُمَكَّنُ مِنْهَا الْمُنَاسِبُ مِنْهُ أَيْ الرُّجُوعِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَامَ شَاهِدًا وَالْتَزَمَ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ ثُمَّ عَنَّ لَهُ عَدَمُ الْحَلِفِ، وَأَرَادَ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ فَلَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: قِيلَ الصَّوَابُ مُدَّعًى عَلَيْهِ) أَيْ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ الْمُدَّعِي، وَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً وَالْتَزَمَ ذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهَا وَيَرُدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ قَبُولِ رُجُوعِهِ) أَيْ بَلْ يُجْزَمُ بِقَبُولِ الرُّجُوعِ أَيْ بِحَيْثُ يَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَوْ قُلْنَا: لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ يَسْقُطُ حَقُّهُ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْحَلِفِ مَعَ شَاهِدِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ ذَلِكَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُ ثَابِتٍ) أَيْ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْ مَعَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ يَمِينٌ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ فَأَفَادَ أَنَّ لَهُ رَدَّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ سُلِّمَ ذَلِكَ) أَيْ سُلِّمَ أَنَّهَا غَيْرُ مُتَوَهَّمَةٍ

الصفحة 241