كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

عُرْفٌ يُصَارُ إلَيْهِ فَقَوْله أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَإِنْ عُيِّنَ مَا يَفْعَلُهُ فِيهَا جَازَ، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ أَضَرَّ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ لِيَزْرَعَهَا شَعِيرًا فَبَدَا لَهُ فَزَرَعَهَا حِنْطَةً؛ إذْ لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ وَجُمْلَةُ وَلَا عَرَفَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ.

(فَائِدَةٌ) صَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِمَنْعِ الْغَرْسِ وَالزَّرْعِ فِي الْمَسْجِدِ وَقَالُوا لَا يَجُوزُ الْحَفْرُ فِيهِ وَلَا الدَّفْنُ فِيهِ قَالُوا وَلَعَلَّ مَنْ يَذْكُرُ الْكَرَاهَةَ أَرَادَ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ.

(ص) وَكِرَاءُ وَكِيلٍ بِمُحَابَاةٍ أَوْ بِعَرْضٍ (ش) أَيْ: وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كِرَاءُ الْوَكِيلِ مُفَوَّضًا كَانَ أَوْ خَاصًّا لِأَرْضِ مُوَكِّلِهِ أَوْ دَارِهِ بِمُحَابَاةِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَتَصَرَّفُ إلَّا بِمَا فِيهِ الْحَظُّ وَالْمَصْلَحَةُ لِمُوَكِّلِهِ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكْرِيَ ذَلِكَ بِعَرْضٍ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْأَرْضَ وَالدَّارَ لَا تُكْرَى إلَّا بِالنَّقْدِ وَلَهُ فَسْخُ عَقْدِ الْكِرَاءِ وَإِجَازَتِهِ إنْ لَمْ يَفُتْ فَإِنْ فَاتَ رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْمُحَابَاةِ فِي مَلَائِهِ وَلَا رُجُوعَ لِلْوَكِيلِ عَلَى السَّاكِنِ فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ عَدِيمًا رَجَعَ عَلَى السَّاكِنِ بِالْكِرَاءِ ثُمَّ لَا رُجُوعَ لِلسَّاكِنِ عَلَى الْوَكِيل وَيَجْرِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ حَيْثُ حَابَى فِي إجَارَةِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْوَصِيُّ كَذَلِكَ بِجَامِعِ التَّصَرُّفِ عَنْ الْغَيْرِ فِي الْكُلِّ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ.

(ص) وَأَرْضٌ مُدَّةً لِغَرْسٍ، فَإِذَا انْقَضَتْ فَهُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَوْ نِصْفُهُ (ش) يَعْنِي، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُكْرِيَ الْأَرْضَ مُدَّةَ عَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا عَلَى أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا شَجَرًا سَمَّاهُ لَهُ، فَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ كَانَ الشَّجَرُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ فِي أُجْرَتِهَا وَعِلَّةُ الْفَسَادِ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ؛ لِأَنَّهُ أَكْرَى أَرْضَهُ بِشَجَرٍ لَا يَدْرِي أَيَسْلَمُ أَمْ لَا؟ فَلَوْ قَالَ لِرَبِّ الْأَرْضِ: لَك نِصْفُ الشَّجَرِ أَوْ رُبْعُهُ مِنْ الْآنَ جَازَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّ مَا أَجَّرَهُ بِهِ هُنَا مَعْلُومٌ مَرْئِيٌّ قَوْلُهُ فَهُوَ أَيْ الْغَرْسُ وَهُوَ الْأُجْرَةُ وَقَوْلُهُ أَوْ نِصْفُهُ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى هُوَ أَيْ: فَهُوَ أَوْ نِصْفُهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَإِذَا وَقَعَ عَلَى مَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ فَقِيلَ إنَّهُ كِرَاءٌ فَاسِدٌ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ أَكْرَاهَا بِشَجَرٍ لَا يَدْرِي أَيَسْلَمُ أَمْ لَا وَقِيلَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْغَرْسُ لِمَنْ غَرَسَهُ وَعَلَيْهِ لِرَبِّ الْأَرْضِ كِرَاءُ الْمِثْلِ وَيَفُوتُ بِالْغَرْسِ وَعَلَى الثَّانِي يُفْسَخُ مَتَى اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَالْغَرْسُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ وَقِيمَةُ الْغَرْسِ يَوْمَ وَضْعِهِ وَيُطَالِبُهُ أَيْضًا بِمَا أَكَلَ مِنْ الثَّمَرِ فِيمَا مَضَى.

(ص) وَالسَّنَةُ فِي الْمَطَرِ بِالْحَصَادِ وَفِي السَّقْيِ بِالشُّهُورِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضَ الْمَطَرِ أَوْ أَرْضَ النِّيلِ سَنَةً فَإِنَّهَا تَنْقَضِي فِيهَا بِحَصَادِ الزَّرْعِ مِنْهَا، وَأَمَّا أَرْضِ السَّقْي أَيْ: الَّتِي تُسْقَى بِالْآلَةِ فَالسَّنَةُ تَنْقَضِي فِيهَا بِالشُّهُورِ أَيْ: فَيَلْزَمُ فِيهَا اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا قَوْلُهُ بِالْحَصَادِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ: مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ أَيْ: اسْتَأْجَرَ لِلْبِنَاءِ وَلَمْ يُبَيِّنْ نَوْعَ مَا يَبْنِيهِ هَلْ بِئْرٌ أَوْ حَائِطٌ وَلَا مَانِعَ مِنْ إطْلَاقِ الْبِنَاءِ عَلَى الْبِئْرِ أَوْ الْمَطْمُورَةِ أَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْغَرْسِ وَلَمْ يُبَيِّنْ نَوْعَ مَا يَغْرِسُهُ هَلْ جُمَّيْزٌ أَوْ عِنَبٌ مَثَلًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْبِئْرَ أَضَرُّ مِنْ الْحَائِطِ وَالْجُمَّيْزُ أَضَرُّ مِنْ الْعِنَبِ وَيُحْتَمَلُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الشَّارِحِ أَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يُبَيِّنْ فِيهَا مَا يَفْعَلُهُ هَلْ هُوَ بِنَاءٌ أَوْ غَرْسٌ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ بَعْضُهُ أَضَرُّ قَيْدٌ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَضَرَّ فَلَيْسَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّنَا نَجْزِمُ قَطْعًا بِأَنَّ بَعْضَ أَفْرَادِ الْغَرْسِ أَضَرُّ مِنْ غَيْرِهِ وَبَعْضُ أَفْرَادِ الْبِنَاءِ أَضَرُّ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا عَلِمْت فَلَا يَظْهَرُ وَجْهٌ لِذَلِكَ الْقَيْدِ وَكَذَا يَأْتِي الْبَحْثُ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي بِالْأَوْلَى نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُصَوِّرَ عَدَمَ الضَّرَرِ فِيمَا إذَا قَالَ أَسْتَأْجِرُ مِنْك الْأَرْضَ عَلَى أَنْ أَزْرَعَ فِيهَا مَا يُجْعَلُ خُبْزًا؛ إذْ هُوَ شَامِلٌ لِلْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَلَيْسَ بَعْضُهُمَا أَضَرَّ فَلَا يُحْتَاجُ لِلْبَيَانِ حِينَئِذٍ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ تَمْثِيلًا لِلْمُحْتَرَزِ عَنْهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْمُصَنِّفِ لَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يُبَيَّنْ نَوْعٌ مِنْ الْغَرْسِ، وَالْحَالُ أَنَّ بَعْضَ أَنْوَاعِهِ أَضَرُّ مِنْ بَعْضٍ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَعْضُ أَنْوَاعِهِ لَيْسَ أَضَرَّ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ فَلَا بَيَانَ لِنَوْعِ ذَلِكَ الْغَرْسِ مَعَ أَنَّنَا جَازِمُونَ قَطْعًا بِأَنَّ بَعْضَهُ أَضَرُّ مِنْ بَعْضٍ وَهَذَا الْمِثَالُ الَّذِي ذَكَرْنَا إنَّمَا هُوَ بَعْضُ أَفْرَادِ نَوْعٍ مِنْ الْغَرْسِ أَيْ بَعْضُهُ أَضَرُّ مِنْ بَعْضٍ فَلَيْسَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ أَنْوَاعِ الْغَرْسِ بَلْ بَيْنَ أَصْنَافِ نَوْعٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ لِيَزْرَعَهَا شَعِيرًا إلَخْ) تَنْظِيرٌ.

(قَوْلُهُ وَكِرَاءُ وَكِيلٍ بِمُحَابَاةٍ إلَخْ) وَإِذَا وَقَعَ الْكِرَاءُ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ بِأَنْ وَقَعَ بِكِرَاءِ الْمِثْلِ فَلَا فَسْخَ وَقَوْلُهُمْ الْوَقْفُ يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَقَعَ الْكِرَاءُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ ثُمَّ زَادَ بِهِ شَخْصٌ حَتَّى وَصَّلَهُ لِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ مُدَّةً لِغَرْسِ) وَأَمَّا مُدَّةٌ لِبِنَاءٍ فَهُوَ جَائِزٌ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ أَعَرْته أَرْضَك لِيَبْنِيَ فِيهَا وَيَسْكُنَ عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ يَخْرُجَ وَيَدَعَ الْبِنَاءَ فَإِنْ بَيَّنَ صِفَةَ الْبِنَاءِ وَمَبْلَغَهُ أَيْ: الْمُدَّةَ الَّتِي يَسْكُنُ فِيهَا الْمُكْتَرِي فَهُوَ جَائِزٌ وَهُوَ إجَارَةٌ وَإِنْ لَمْ يَصِفْهُ لَمْ يَجُزْ فَلَوْ قَالَ أَسْكُنُ مَا بَدَا لِي لَمْ يَجُزْ فَإِنْ وَقَعَ فَلَكَ كِرَاءُ أَرْضِك وَلَك أَنْ تُعْطِيَهُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا وَإِنْ أَعَرْته سِنِينَ عَلَى أَنْ يَغْرِسَهَا أُصُولًا عَلَى أَنْ يَكُونَ لَك بَعْدَ الْمُدَّةِ لَمْ يَجُزْ؛ إذْ لَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ مَعْرُوفٌ انْتَهَى أَيْ: لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ صِفَةِ الْغَرْسِ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ أَمَدِ الْعَارِيَّةِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ فَإِنَّ صِفَتَهُ تُعْرَفُ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَمَدِ الْعَارِيَّةِ تَذَكَّرَهَا حِينَ الْعَقْدِ وَإِصْلَاحِ الْبِنَاءِ إذَا لَمْ يَأْتِ عَلَى الصِّفَةِ لَيْسَ فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ كَمَا فِي إصْلَاحِ الْغَرْسِ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ) وَمُقَابِلُهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمُؤَلِّفِ إجَارَةٌ وَهَذِهِ مُغَارَسَةٌ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي ك وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا جَعَلَهُ لَهُ كُلَّهُ مِنْ الْآنَ كَمَا اسْتَظْهَرُوا (قَوْلُهُ كِرَاءً فَاسِدًا) أَيْ أَكْرَى الْأَرْضَ كِرَاءً فَاسِدًا فَقَدْ تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِمَا لَا يَعْقِلُ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ أَيْ: أَجَّرَ الْمُكْتَرِي فَقَدْ تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِمَنَافِعِ مَا يَعْقِلُ.
(قَوْلُهُ وَيَفُوتُ بِالْغَرْسِ) أَيْ: لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِمَنَافِعِ الْأَرْضِ وَحَكَمْنَا بِفَسَادِهِ وَشَأْنُهُ الْفَسْخُ وَالْفَسْخُ عِنْدَ عَدَمِ التَّغَيُّرِ وَغَرْسُهَا تَغَيُّرٌ فَلِذَلِكَ عُدَّ مُفَوِّتًا بِخِلَافِ الْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي يَقُولُ بِالْإِجَارَةِ وَإِنَّ الْعَقْدَ تَعَلَّقَ بِمَنَافِعِ الْعَاقِلِ وَالْعَاقِلُ لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ تَغَيُّرًا فَلِذَا حَكَمْنَا بِالْفَسْخِ مَتَى اطَّلَعَ عَلَيْهِ

الصفحة 48