كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

ش) تَقَدَّمَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَاءِ لَهُ مَنْعُهُ وَبَيْعُهُ لِمَنْ شَاءَ هَذَا إنْ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ قَوْمٌ لَا ثَمَنَ مَعَهُمْ وَيُخَافُ عَلَيْهِمْ الْهَلَاكُ أَوْ الْمَرَضُ الشَّدِيدُ لَوْ تُرِكُوا حَتَّى يَرِدُوا مَاءً غَيْرَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ لِوُجُوبِ الْمُوَاسَاةِ حِينَئِذٍ وَلَوْ قَالَ: إلَّا إذَا خِيفَ عَلَيْهِ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْعَاقِلَ وَغَيْرَهُ وَالْكَلَامُ فِي الْفَاضِلِ عَنْ حَاجَتِهِ وَوَاوُ وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ وَاوُ الْحَالِ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا ثَمَنَ مَعَهُ مَوْجُودٌ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ مَجَّانًا وَلَوْ كَانَ مَلِيًّا بِبَلَدِهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ وَقَوْلُهُ (وَالْأَرْجَحُ بِالثَّمَنِ) رَاجِعٌ لِمَفْهُومِ وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ؛ إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَمَنٌ مَوْجُودٌ حِينَ الْمُوَاسَاةِ لَوَجَبَ دَفْعُهُ لَكِنْ بِالثَّمَنِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ، ثُمَّ إنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِ وَالْأَرْجَحُ إلَخْ أَنَّ ابْنَ يُونُسَ رَجَّحَ الْأَخْذَ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ مَعَهُ؛ إذْ ذَاكَ؛ لِأَنَّهُ بِصِيغَةِ الِاسْمِ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ هَذَا نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ إلَّا وَلَيْسَ هُنَاكَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي تَوْضِيحِهِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ فِي غِنًى عَنْ قَوْلِهِ وَالْأَرْجَحُ بِالثَّمَنِ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ فَائِدَتُهُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ.
(ص) كَفَضْلِ بِئْرِ زَرْعٍ خِيفَ عَلَى زَرْعِ جَارِهِ بِهَدْمِ بِئْرِهِ وَأَخَذَ يُصْلِحُ وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ (ش) وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ لَهُ بِئْرٌ يَسْقِي مِنْهَا زَرْعَهُ فَفَضَلَ عَنْ سَقْيِ زَرْعِهِ فَضْلَةٌ مِنْ الْمَاءِ وَلَهُ جَارٌ لَهُ زَرْعٌ أَنْشَأَهُ عَلَى أَصْلِ مَاءٍ وَانْهَدَمَتْ بِئْرُ زَرْعِهِ وَخِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ مِنْ الْعَطَشِ وَشَرَعَ فِي إصْلَاحِ بِئْرِهِ فَحِينَئِذٍ يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْفَضْلِ بِالثَّمَنِ إنْ وُجِدَ عَلَى مَا رَجَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ فَإِنْ انْخَرَمَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الْفَضْلَةِ بِأَنْ كَانَ زَرْعُ الْجَارِ لَا عَلَى أَصْلِ مَاءٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَّضَ زَرْعَهُ لِلْهَلَاكِ أَوْ لَمْ تَنْهَدِمْ بِئْرُهُ أَوْ لَمْ يَشْرَعْ فِي إصْلَاحِهَا قَوْلُهُ خِيفَ عَلَى زَرْعِ جَارِهِ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: يُدْفَعُ لِجَارٍ ثُمَّ لَمَّا حُذِفَ أَتَى بِالظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ، قَوْلُهُ وَبِهَدْمِ بِئْرِهِ مُتَعَلِّقٌ بِخِيفَ وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ فَإِنَّ هَدْمَ الْبِئْرِ سَبَبٌ لِلْخَوْفِ عَلَى الزَّرْعِ وَقَوْلُهُ بِئْرِهِ أَيْ: بِئْرِ الزَّرْعِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ أَنَّ الزَّرْعَ عَلَى أَصْلِ مَاءٍ فَالتَّشْبِيهُ عَلَى هَذَا فِي عَدَمِ الْمَنْعِ مِنْ الْمَاءِ وَفِي أَخْذِ الثَّمَنِ إنْ وُجِدَ مَعَ جَارِهِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ الزَّرْعِ لَا ثَمَنَ لَهُ فِيهَا سَوَاءٌ وُجِدَ مَعَهُ أَمْ لَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْمُسَافِرِ أَنَّهُ مُخْتَارٌ بِسَبَبِ السَّفَرِ بِخِلَافِ مَنْ انْهَدَمَتْ بِئْرُهُ.

(ص) كَفَضْلِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ بِصَحْرَاءَ هَدَرًا إنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمِلْكِيَّةَ (ش) التَّشْبِيهُ فِي الْجَبْرِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الْبَادِيَةِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لِمَاشِيَتِهِ، وَفَضَلَ مِنْهَا فَضْلَةٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ مِمَّنْ طَلَبَهُ أَوْ أَرَادَهُ وَيَأْخُذُهُ بِلَا ثَمَنٍ وَهُوَ بِالْهَدَرِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا يُورَثُ عَنْهُ هَذَا حَيْثُ لَمْ يُبَيِّنْ الْمِلْكِيَّةَ فَإِنْ بَيَّنَهَا حِينَ الْحَفْرِ فَلَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ عَنْهَا وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ التَّشْبِيهُ تَامًّا لِئَلَّا يَقْتَضِيَ أَنَّ الْجَبْرَ إنَّمَا هُوَ لِلْمُضْطَرِّ وَلِلزَّرْعِ الَّذِي انْهَدَمَتْ بِئْرُهُ مَعَ أَنَّهُ عَامٌّ، وَإِنَّمَا كَانَ فَضْلُ بِئْرِ الزَّرْعِ لِصَاحِبِهِ مَنْعُهُ وَبَيْعُهُ بِخِلَافِ فَضْلِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ حَيْثُ لَمْ يُبَيِّنْ الْمِلْكِيَّةَ فَإِنَّ لَيْسَ لَهُ مَنْعُ فَضْلِهَا وَبَيْعُهُ؛ لِأَنَّ حَافِرَ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ نِيَّتُهُ فِي حَفْرِهَا لِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ قَدْرُ كِفَايَتِهِ، وَأَمَّا حَافِرُ بِئْرِ الزَّرْعِ فَنِيَّتُهُ أَنْ يَكُونَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْأَرْجَحُ بِالثَّمَنِ) أَيْ الْقِيمَةِ (قَوْلُهُ رَاجِعٌ لِمَفْهُومِ إلَخْ) هَذَا إذَا قُرِئَ بِصِيغَةِ الِاسْمِ وَيَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ بِالْفِعْلِ بِأَنْ تُجْعَلَ إنْ شَرْطِيَّةً مُرَكَّبَةً مَعَ لَا أَيْ: وَإِلَّا يَنْتَفِ عَدَمُ الثَّمَنِ بَلْ وُجِدَ فَإِنَّهُ يُرَجَّحُ الْأَخْذُ بِالثَّمَنِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ لِابْنِ يُونُسَ فِي هَذِهِ تَرْجِيحٌ وَإِنَّمَا فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ (قَوْلُهُ رَجَحَ الْأَخْذُ بِالثَّمَنِ) أَيْ: مِنْ الْخِلَافِ وَقَوْلُهُ وَالْمُتَبَادَرُ إلَخْ شُرُوعٌ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَقَوْلُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ فَائِدَةً بِالنِّسْبَةِ أَيْ: فَيُقْرَأُ بِالْفِعْلِ وَيَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِمَا بَعْدَهُ أَيْ: الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ كَفَضْلٍ بِالْكَافِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِاللَّامِ وَعَلَى كُلٍّ فَهِيَ بِمَعْنَى فِي أَيْ: فِي فَضْلِ إلَخْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَخْلَصَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِمَا بَعْدَهُ وَيُقْرَأَ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ اخْتِيَارٌ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ مُقَابِلًا بِهِ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ خِيفَ عَلَى زَرْعِ جَارِهِ إلَخْ) أَوْ الْهَلَاكُ وَهُوَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنْ مَحْذُوفٍ وَالْمَحْذُوفُ مَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُضَافِ الْمُقَدَّرِ وَالتَّقْدِيرُ كَبَدَلِ فَضْلِ بِئْرِ زَرْعٍ لِجَارٍ حَالَ كَوْنِهِ قَدْ خِيفَ عَلَى زَرْعِهِ وَلَمَّا حَذَفَ صَاحِبَ الْحَالِ أَقَامَ الظَّاهِرَ مَقَامَ الضَّمِيرِ فَقَالَ زَرْعِ جَارِهِ وَالْمُرَادُ بِالْخَوْفِ الظَّنُّ أَيْ: وَلَوْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ لَمْ يَجِبْ وَإِنْ كَانَ جِيرَانُهُ مِنْهُمْ أَقْرَبَ وَأَبْعَدَ وَطَلَبَ مِنْ الْأَبْعَدِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ خُذْ مِنْ الْأَقْرَبِ كَمَا يُفِيدُهُ ظَاهِرُ تَفْسِيرِ الْجَارِ بِمَنْ يُمْكِنُهُ السَّقْيُ مِنْهُ وَقَوْلُهُ وَأَخَذَ يُصْلِحُ أَيْ: مَعَ الْإِمْكَانِ أَمَّا مَعَ عَدَمِهِ فَلَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا حَيْثُ كَانَ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمَاءِ لَا يَكْفِيهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَا يَأْخُذُهُ يَكْفِيهِ فَلَا يُشْتَرَطُ الشُّرُوعُ فِي الْإِصْلَاحِ.
(قَوْلُهُ وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى إعْطَاءِ الْفَضْلِ وَهُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ إلَّا مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ

وَقَوْلُهُ كَفَضْلِ إلَخْ أَيْ: كَبَذْلِ فَضْلِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ أَيْ: أَوْ سِقَايَةٍ أَيْ: شَرَابِ النَّاسِ مِنْهَا (قَوْلُهُ كَصَحْرَاءَ) أَيْ: فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ وَمَفْهُومُهُ لَوْ بَنَاهَا فِي مِلْكِهِ فَلَهُ الْمَنْعُ.
(قَوْلُهُ وَفَضَلَ مِنْهَا فَضْلَةٌ) أَيْ: فَضَلَ مِنْ الْمَاشِيَةِ فَضْلَةٌ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُنَاسِبُ مَا يَأْتِي مِنْ التَّفْصِيلِ مِنْ أَنَّهُ يُقَدَّمُ رَبُّ الْبِئْرِ ثُمَّ الْمُسَافِرُ ثُمَّ دَابَّةُ رَبِّ الْمَاءِ ثُمَّ دَابَّةُ الْمُسَافِرِ ثُمَّ مَوَاشِي رَبِّ الْمَاءِ إلَخْ فَالْمُنَاسِبُ لِمَا يَأْتِي أَنْ يَقُولَ يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الْبَادِيَةِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لِمَاشِيَتِهِ فَإِنَّ مَا فَضَلَ عَنْ شُرْبِ رَبِّهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ الْغَيْرُ مِنْهُ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي قَوْلِهِ وَبُدِئَ بِمُسَافِرٍ إلَخْ.
(فَائِدَةٌ) أَفَادَ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّ الْمُسَافِرِينَ لِلْحَجِّ فَكُلُّ مَنْ سَبَقَ إلَى الْمَاءِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَكَانَ ابْنُ عَرَفَةَ سَنَةَ حَجَّ يَسْبِقُ وَيَأْخُذُ مَا يَكْفِيهِ مِنْ الْمَاءِ وَيَقُولُ كُلُّ مَنْ نَازَعَنِي قَاتَلْته؛ لِأَنَّى أَحَقُّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ مَعْنَاهُ مَا لَمْ يَخْشَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ ضَرَرًا (قَوْلُهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ) أَيْ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا وَلَا صَاحِبَ زَرْعٍ (قَوْلُهُ فَلَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ عَنْهَا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَارَ إحْيَاءً أَيْ: لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَا حَفَرَ بِئْرَ مَاشِيَةِ لَا يَكُونُ إحْيَاءٌ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الْمِلْكِيَّةِ وَإِلَّا كَانَ إحْيَاءً

الصفحة 74