كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

لَازِمًا يُصْرَفُ رِيعُهَا وَغَلَّتُهَا فِي غَالِبِ مَصْرِفِ تِلْكَ الْبَلَدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِتِلْكَ الْبَلَدِ غَالِبٌ فَإِنَّ غَلَّتَهَا تُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ قَوْلُهُ وَلَا تَعْيِينُ مَصْرِفِهِ هَذَا فِي الْحَبْسِ.
أَمَّا الْعُمْرَى فَلَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ فِي التَّكْمِيلِ وَلَوْ قَالَ دَارِي عُمْرَى لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ حَتَّى يُبَيِّنَ الْمُعَمَّرَ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ لَفْظَ الْحَبْسِ أَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ بِخِلَافِ لَفْظِ الْعُمْرَى اهـ. ثُمَّ قَضِيَّةُ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ دَارِي مَثَلًا صَدَقَةٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ سَبِيلُهَا الْقُرْبَةُ.
(ص) وَلَا قَبُولُ مُسْتَحِقِّهِ إلَّا الْمُعَيَّنَ الْأَهْلُ فَإِنْ رُدَّ فَكَمُنْقَطِعٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاجِدِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا وَلِأَنَّهُ لَوْ اُشْتُرِطَ قَبُولُ مُسْتَحِقِّهِ لَمَا صَحَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْوَاقِفُ عَلَى مُعَيَّنٍ كَزَيْدٍ مَثَلًا وَهُوَ أَهْلٌ لِلرَّدِّ وَالْقَبُولِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ قَبُولُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِذَلِكَ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ فَإِنَّ وَلِيَّهُ يَقْبَلُ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ أُقِيمَ لَهُ مَنْ يَقْبَلُ عَنْهُ كَمَا فِي الْهِبَةِ فَإِنْ رَدَّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنُ مَا وَقَفَهُ الْغَيْرُ عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ الْوَاقِفِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّ الْوَقْفَ يَرْجِعُ حَبْسًا لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَلَوْ أَرَادَ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْمُحْبِسِ لَقَالَ فَمُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ بِالشَّيْءِ غَيْرُهُ فَهُوَ تَشْبِيهٌ فِي مُطْلَقِ الرُّجُوعِ أَيْ: فَيَرْجِعُ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ.

(ص) وَاتُّبِعَ شَرْطُهُ إنْ جَازَ كَتَخْصِيصِ مَذْهَبٍ أَوْ نَاظِرٍ أَوْ تَبْدِئَةِ فُلَانٍ بِكَذَا وَإِنْ مِنْ غَلَّةِ ثَانِي عَامٍ إنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ غَلَّةِ كُلِّ عَامٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا شَرَطَ فِي كِتَابِ وَقْفِهِ شُرُوطًا فَإِنَّهُ يَجِبُ اتِّبَاعُهَا حَسْبَ الْإِمْكَانِ إنْ كَانَتْ تِلْكَ الشُّرُوطُ جَائِزَةً؛ لِأَنَّ أَلْفَاظَ الْوَاقِفِ كَأَلْفَاظِ الشَّارِعِ فِي وُجُوبِ الِاتِّبَاعِ فَإِنْ شَرَطَ شُرُوطًا غَيْرَ جَائِزَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُتْبَعُ كَمَا يَأْتِي فِي الْأَمْثِلَةِ فَمِثَالُ مَا هُوَ جَائِزٌ كَتَخْصِيصِهِ مَذْهَبًا بِعَيْنِهِ أَوْ مَدْرَسَةً بِعَيْنِهَا أَوْ نَاظِرًا بِعَيْنِهِ فَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ الْوَاقِفُ لِوَقْفِهِ نَاظِرًا فَإِنْ جَعَلَ الْوَقْفَ عَلَى مُعَيَّنٍ مَالِكٍ لِأَمْرِ نَفْسِهِ فَهُوَ الَّذِي يَحُوزُهُ وَيَتَوَلَّاهُ وَإِلَّا فَالنَّظَرُ فِيهِ لِلْحَاكِمِ يُقَدِّمُ لَهُ مَنْ يَرْتَضِيهِ، وَكَذَلِكَ يُتْبَعُ إذَا شَرَطَ فِي وَقْفِهِ أَنَّهُ يُبْدَأُ فُلَانٌ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ بِكَذَا فَيُعْطَى ذَلِكَ الْقَدْرَ مُبْدَأً عَلَى غَيْرِهِ وَيُقْضَى لَهُ عَنْ الْأَوَّلِ مِنْ الثَّانِي إنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ غَلَّةِ كُلِّ عَامٍ فَإِنْ قَالَ: مِنْ غَلَّةِ كُلِّ عَامٍ وَجَاءَتْ سَنَةٌ لَمْ يَحْصُلْ فِيهَا شَيْءٌ فَلَا تَبْدِئَةَ وَلَا قَضَاءَ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْغَلَّةَ لِلْوَقْفِ أَوْ لِضَمِيرِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ فِي عَامٍ مَا يُعْطَى مِنْهُ أَوْ مَا يَفِي لَهُ بِحَقِّهِ وَحَصَلَ فِي عَامٍ آخَرَ مَا يُعْطَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ رِيعُهَا) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَقَوْلُهُ وَغَلَّتُهَا عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى الرِّيعِ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ (قَوْلُهُ فِي غَالِبِ مَصْرِفِ إلَخْ) أَيْ: إذَا تَعَذَّرَ سُؤَالُ الْمُحْبِسِ (قَوْلُهُ أَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ) أَيْ: وَفِي غَيْرِ الْأَكْثَرِ يُقْصَدُ بِهَا وَجْهُ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ لَفْظِ الْعُمْرَى) أَيْ: فَأَكْثَرُ مَا تُسْتَعْمَلُ لِقَصْدِ وَجْهِ الْمُعَمِّرِ وَمِنْ غَيْرِ الْأَكْثَرِ يُقْصَدُ بِهَا الثَّوَابُ أَيْ: ثَوَابُ الْآخِرَةِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُنَافٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْوَقْفَ مِنْ بَابِ الْعَطَايَا لَا مِنْ بَابِ الصَّدَقَاتِ (قَوْلُهُ سَبِيلُهَا الْقُرْبَةُ) أَيْ: طَرِيقُهَا الْقُرْبَةُ أَيْ: لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً إلَّا لِلتَّقَرُّبِ (قَوْلُهُ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ) أَيْ: وَالسَّفِيهِ.

(قَوْلُهُ وَاتُّبِعَ شَرْطُهُ) أَيْ بِلَفْظِهِ إنْ جَازَ أَيْ: وَأَمْكَنَ وَأَرَادَ بِالْجَوَازِ مَا قَابَلَ الْمَنْعَ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَلَوْ مَكْرُوهًا مُتَّفَقًا عَلَى كَرَاهَتِهِ كَشَرْطِهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ كُلَّ عَامٍ هَذَا إنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا فِعْلُ الْمَكْرُوهِ فَإِنْ أَمْكَنَ فِعْلُ غَيْرِهِ كَشَرْطِهِ أَذَانًا عَلَى صِفَةٍ مَكْرُوهَةٍ وَوُجِدَ مُؤَذِّنٌ عَلَى صِفَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ مَا شَرَطَهُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ اتِّبَاعُ لَفْظِهِ كَشَرْطِهِ انْتِفَاعًا بِكِتَابٍ فِي خِزَانَةٍ وَلَا يُخْرَجُ مِنْهَا وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِمَدْرَسَتِهِ الَّتِي بَنَاهَا بِصَحْرَاءَ أَوْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَيُخْرَجُ لِغَيْرِهَا وَكَمَا إذَا شَرَطَ تَدْرِيسًا مَثَلًا فِي مَكَان وَلَمْ يُمْكِنْ التَّدْرِيسُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ نَقْلُهُ أَيْ: وَفِعْلُهُ كَشَرْطِهِ فِي وُجُوبِ الِاتِّبَاعِ، فَإِذَا قَرَّرَ مَالِكِيًّا فِي قِرَاءَةِ حَدِيثٍ مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ فَلَا يُوَلَّى بَعْدَهُ إلَّا مَالِكِيُّ الْمَذْهَبِ نَظَرًا لِفِعْلِ الْوَاقِفِ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يُصَرَّحْ بِشَيْءٍ كَذَا قَرَّرَهُ عج وَفِيهِ شَيْءٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَرَّرَ مَالِكِيًّا فِي حَدِيثٍ لَيْسَ لِأَجْلِ كَوْنِهِ مَالِكِيًّا بَلْ لِكَوْنِهِ مُحَدِّثًا فَلَا يَتَقَيَّدُ بِكَوْنِهِ مَالِكِيًّا بَلْ الْمَدَارُ عَلَى اتِّصَافِهِ بِكَوْنِهِ مُحَدِّثًا كَانَ مَالِكِيًّا أَوْ شَافِعِيًّا.
(قَوْلُهُ أَنَّهُ يُبْدَأُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ يُبْدَأُ أَوْ يُعْطَى أَوْ يُدْفَعُ لَهُ أَوْ يَجْرِي عَلَيْهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْغَلَّةَ لِلْوَقْفِ) أَيْ: بِأَنْ قَالَ أَعْطُوهُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ أَوْ الْوَقْفِ أَعْطُوهُ مِنْ غَلَّتِهِ كُلَّ عَامٍ كَذَا وَقَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ مِنْ غَلَّةِ كُلِّ عَامٍ أَيْ: بِأَنْ قَالَ أَعْطُوهُ مِنْ غَلَّةِ كُلِّ عَامٍ كَذَا وَكَذَا فَفَرْقٌ بَيْنَ أَعْطُوهُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ كُلَّ عَامٍ وَبَيْنَ أَعْطُوهُ مِنْ غَلَّةِ كُلِّ عَامٍ فَفِي الْأَوَّلِ يُقْضَى لَهُ عَنْ الْعَامِ الْأَوَّلِ مِنْ الْعَامِ الثَّانِي مُضَافًا لِمَا يَسْتَحِقُّهُ فِي الْعَامِ الثَّانِي وَفِي الثَّانِي لَا قَضَاءَ بَلْ يُعْطَى مِنْ غَلَّةِ الْعَامِ الثَّانِي مَا يَسْتَحِقُّهُ فِيهِ فَقَطْ.
(أَقُولُ) وَعَكْسُ الْمُصَنَّفِ يُشِيرُ لَهُ الْمُتَيْطِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ وَإِنْ قَالَ يَجْرِي مِنْ غَلَّتِهِ عَلَى فُلَانٍ كُلَّ عَامٍ كَذَا وَكَذَا وَكَانَتْ لَهُ فِي سَنَةٍ غَلَّةٌ كَثِيرَةٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي سَنَةٍ أُخْرَى غَلَّةٌ فَإِنَّهُ يُعْطَى تِلْكَ الْجِرَايَةُ فِي الْعَامِ الثَّانِي مِنْ غَلَّةِ الْأَوَّلِ وَإِنْ قَالَ يَجْرِي عَلَيْهِ مِنْ غَلَّةِ كُلِّ عَامٍ كَذَا وَكَذَا فَأَيُّ عَامٍ كَانَ بِلَا غَلَّةٍ لَمْ يُعْطَ مِنْ غَلَّةِ الْعَامِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ وَإِنْ جُعِلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ مِنْ غَلَّةٍ أَيْ: وَإِنْ عَنْ غَلَّةٍ كَانَ هُوَ كَلَامَ الْمُتَيْطِيِّ بِعَيْنِهِ وَحَلَّ تت الْمُصَنِّفَ بِكَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ وَمَا فِي الْمُصَنِّفِ يُوَافِقُ مَا فِي رَسْمِ الْوَصَايَا مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ فِيمَنْ أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي كُلِّ سَنَةٍ حَيَاتَهُمَا مِنْ ثَمَرِ مَالٍ لَهُ وَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْأَوَّلُ أَصَابَ الثِّمَارَ مَا أَصَابَهَا فَلَمْ يَبْلُغْ الثِّمَارُ مَا أَوْصَى لَهُمَا بِهِ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الثَّانِي جَاءَ الثِّمَارُ بِفَضْلٍ كَثِيرٍ فَأَرَادَا أَنْ يَأْخُذَا مِنْ غَلَّةِ الْعَامِ الثَّانِي مَا نَقَصَ مِنْ وَصِيَّتِهِمَا فِي غَلَّةِ عَامٍ أَوَّلٍ فَذَلِكَ لَهُمَا قَالَ نَعَمْ ذَلِكَ لَهُمَا وَجَعَلَ اللَّقَانِيِّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ شَامِلًا لِلْمَسْأَلَتَيْنِ وَمَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ هُوَ مَا قَالَهُ الْمُتَيْطِيُّ إلَخْ

الصفحة 92