كتاب روضة الطالبين- الكتب العلمية (اسم الجزء: 7)

وأما اليوم فهو ضربان، أحدهما: أن يكون الكفار مستقرين في بلدانهم، فهو فرض كفاية، فإن امتنع الجميع منه، أثموا، وهل يعمهم الاثم، أم يختص بالذين يدنوا إليه ؟ وجهان. قلت: الاصح أنه يأثم كل من لا عذر له كما سيأتي بيان الاعذار إن شاء الله تعالى. والله أعلم. وإن قام من فيه كفاية، سقط عن الباقين. وتحصل الكفاية بشيئين. أحدهما: أن يشحن الامام الثغور بجماعة يكافئون من بإزائهم من الكفار، وينبغي أن يحتاط بإحكام الحصون وحفر الخنادق ونحوهما، ويرتب في كل ناحية أميرا كافيا يقلده الجهاد وأمور المسلمين. الثاني: أن يدخل الامام دار الكفر غازيا بنفسه، أو بجيش يؤمر عليهم من يصلح لذلك، وأقله مرة واحدة في كل سنة، فإن زاد فهو أفضل، ويستحب أن يبدأ بقتال من يلي دار الاسلام من الكفار، فإن كان الخوف من الابعدين أكثر، بدأ بهم، ولا يجوز إخلاء سنة عن جهاد إلا لضرورة، بأن يكون في المسلمين ضعف وفي العدو كثرة، ويخاف من ابتدائهم الاستئصال، أو لعذر بأن يعز الزاد وعلف الدواب في الطريق، فيؤخر إلى زوال ذلك، أو ينتظر لحاق مدد، أو يتوقع إسلام قوم، فيستميلهم بترك القتال، هذا ما نصر عليه الشافعي، وجرى عليه الاصحاب رحمهم الله، وقال الامام: المختار عندي في هذا مسلك الاصوليين، فإنهم قالوا: الجهاد دعوة قهرية، فيجب إقامته بحسب الامكان حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم، ولا يختص بمرة في السنة، ولا يعطل إذا أمكنت الزيادة، وما ذكره الفقهاء حملوه على العادة الغالبة، وهي أن الاموال والعدد لا تتأتى لتجهيز الجنود في السنة أكثر من مرة، ثم إن تمكن الامام من بث الاجناد للجهاد في جميع الاطراف، فعل، وإلا فيبدأ بالاهم فالاهم، وينبغي له أن يرعى النصفة بالمناوبة بين الاجناد في الاغزاء، ويسقط الوجوب في هذا الضرب بأعذار. منها: الصغر والجنون والانوثة، وللامام أن يأذن للمراهقين والنساء في الخروج، وأن يستصحبهم لسقي الماء ومداواة المرضى ومعالجة الجرحى، ولا يأذن للمجانين بحال، ولا جهاد على الخنثى.

الصفحة 411