كتاب روضة الطالبين- الكتب العلمية (اسم الجزء: 7)

فيحتاج إلى بيان العمدية والمزهق، وتعلق القصاص بالمباشرة والسبب، وحكم اجتماع السبب والمباشرة، وبيان حكم اجتماع المباشرتين، وبيان اجتماع السببين، فأما اجتماع السببين، فمؤخر إلى كتاب الديات، وأما الاربعة الباقية، فنعقد فيها أطرافا:
الطرف الأول : في بيان العمدية، وتمييز العمد من الخطأ وشبه العمد، فإذا صدر منه فعل قتل غيره، نظر، إن لم يقصد أصل الفعل بأن زلق، فسقط على غيره، فمات به، أو تولد الهلاك من اضطراب يد المرتعش، أو لم يقصد الشخص وإن قصد الفعل، بأن رمى صيدا، فأصاب رجلا، أو قصد رجلا، فأصاب غيره، فهذا خطأ محض لا يتعلق به قصاص، وإن قصد الفعل والشخص معا، فهذا قد يكون عمدا محضا، وقد يكون شبه عمد، وفي التمييز بينهما عبارات للاصحاب يجمعها أربعة أوجه، أحدها: أنه إذا وجد القصدان وعلمنا حصول الموت بفعله، فهو عمد محض، سواء قصد الاهلاك، أم لا، وسواء كان الفعل مهلكا غالبا، أم نادرا، كقطع الانملة، وإن شككنا في حصول الموت به، فهو شبه عمد، والثاني: إن ضربه بجارح، فالحكم على ما ذكرنا، وإن ضربه بمثقل، اعتبر مع ذلك في كونه عمدا أن يكون مهلكا غالبا، فإن لم يكن مهلكا غالبا، فهو شبه عمد، واعترض الغزالي على الاول، بأنه لو ضرب كوعه بعصا، فتورم الموضع، ودام الالم حتى مات، فقد علمنا حصول الموت به ولا قصاص فيه، بل تجب الدية، وعلى الثاني بأن العمدية أمر حسي لا يختلف بالجارح والمثقل، وكما يؤثر الجارح في الظاهر بالشق يؤثر المثقل في الباطن بالترضيض، وفي كلام الامام نحو هذا، والوجه الثالث واختاره الغزالي: أن لافضاء الفعل إلى الهلاك ثلاث مراتب: غالب وكثير ونادر، والكثير: هو المتوسط بين الغالب والنادر، ومثاله، الصحة والمرض والجذام، فالصحة هي الغالبة في الناس، والمرض كثير ليس بغالب، والجذام نادر، فإن ضربه بما يقتل غالبا، جارحا كان أو مثقلا، فعمد، وإن كان يقتل كثيرا فهو عمد إن كان جارحا كالسكين الصغير، وإن كان مثقلا، كالسوط والعصا، فشبه عمد، وإن كان يقتل نادرا، فلا قصاص، مثقلا كان أو جارحا، كغرز إبرة لا يعقبه ألم ولا ورم، والفرق بين الجارح والمثقل على هذا الوجه أن الجراحة لها أثر في الباطن قد يخفى، ولان الجرح وهو طريق الاهلاك غالبا بخلاف المثقل، والوجه الرابع وهو

الصفحة 5