كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 7)

الجامعة إلى القاعة القريبة التي فيها الاجتماع وفيها منصة التبرّع، يحملون ما وصلت إليه أيديهم من مال أو متاع، لم تشغلهم أوجاعهم عن تلبية داعي الله لمّا دعاهم إلى الجهاد بالمال.
ومرضى مستشفى ابن النفيس (مستشفى السلّ) الذين تبرّعوا بثمن البيض مدة أسبوع التسلّح، ولم يستطع الطبيب أن يُقنِعهم بالاكتفاء بيوم واحد إلاّ بجفاف الريق وشقّ النفس. وأنتم تعرفون أن البيض هو حياة أولئك المسلولين شفاهم الله، هو حياتهم وقد جادوا بها. لا، لا أستطيع أن أعلّق على هذا الخبر. إني قد عجزت، وأنا مُقِرّ بعجزي، ولن أدّعي بعد اليوم أنني من فرسان الكلام وأنني من أرباب الأقلام.
لقد تكوّمَت على المنصة أكوام من ساعات اليد ومن الأقلام ومن الأساور، ولقد قُدّمت مئات من آلات التصوير والرّوَادّ (جمع رادّ أي راديو) والدرّاجات والمسدسات والأحذية وأنواع الثياب وكل ما في البيوت من غالٍ ورخيص حتى ملأت كل فراغ على المنصّة وحولها. لقد خلع كثيرون من الشباب أرديتهم لأنهم لم يجدوا ما يُعطونه غيرها وخرجوا يستقبلون برد الليل. وكان شيء لا يوصف، وإن وُصف لا يكاد يُصدَّق.
ومن أعجب ما رأينا في هذا الأسبوع (وكل ما رأينا عجب) ما صنع السجناء. نزلاء السجون لم تحُلْ الأسوار ولا الأبواب بينهم وبين المشاركة في هذا الواجب، ولم تدفعهم كراهة الجند الذين يسدّون عليهم منافذ الحرية من أن يُعطوا ما عندهم لمساعدة الجند على التسلّح. وماذا ترونهم أعطوا؟ أعطوا -والله- لُحُفهَم

الصفحة 16