كتاب التفسير الوسيط - مجمع البحوث (اسم الجزء: 8)

يسترده بأي جهد يبذله، ما لم تأته به عناية الله ورحمته، فتلك آيات عديدة تضمنتها آية النوم، وقد يصبح الأرق مرضا ملازما فيصاب صاحبه بالكآبة وغيرها من الأمراض النفسية أو الجسدية، ولا ينفعه إلا رحمة تأْتيه من الرحمن الرحيم من حيث لا يعلم، فلهذا ينبغي لمن يصاب بالأرق أن يكون شديد اللجوء إلى الله - تعالى - بالدعاء، ومما جاء فيه ما أخرجه الطبراني في مسنده عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: أصابني أرق من الليل فشكوت ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "قل: اللهم غارت النجوم، وهدأت العيون، وأنت حي قيوم، يا حي يا قيوم أنم عيني وأهديء ليلي" فقلتها فذهب عني.
وينبغي لمن أصابه الأرق أيضًا أن يبعد عن نفسه التفكير فيه، حتى لا يصبح عقدة نفسية، وعليه أن يكون قوي الأمل في رجوع النوم إليه برحمة الله، وأن يكون عظيم التوكل على الله والثقة في رحمة الله، حتى لا تطول غربة النوم عنه.
والنوم كما يكون ليلًا يكون نهارا، فمن الناس من يعملون ليلًا كالحرّاس وعمال المخابز، فهؤلاء ينامون نهارا، ومنهم من يعملون نهارا، وقد ينامون ظهرا، ومنهم من يأتيه النوم في أي وقت من الليل أو النهار، تبعًا لحاجة أجسادهم ونفوسهم، فمن رحمة الله أن جعله مشاعا بين الليل والنهار لمن يحتاجون إليه، فلهذا قال - سبحانه -: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار}.
وأما آية ابتغاء الرزق فإنها تضم عدة آيات، والرزق بيد الله، وكم من طالب رزق معين يأتيه غيره، وكم من طالب له لا يجده، وكم من غافل فيأتيه رزق لم يتوقعه ولم يسع إليه.
وطلب الرزق كما يكون في النهار يكون في الليل، وبخاصة في هذا الزمان، حيث تفتح المتاجر والمصانع أبوابها ليلًا كما تفتح نهارا، والله - تعالى - يسوق الرزق لجميع عباده {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} ولكن الله - تعالى - ربط المسببات بأسبابها، ولهذا أمر عباده بالسعي في طلب الرزق الذي قسمه الله لهم بقوله: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا}

الصفحة 40