كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 105 """"""
قوله تعالى : " والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " قال : تبوءوا توطنوا الدار اتخذوا المدينة دار الإيمان والهجرة ، وهم الأنصار ، أسلموا في ديارهم وآبتنوا المساجد قبل قدوم النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأحسن الله الثناء عليهم . وقوله : من قبلهم أي من قبل قدوم المهاجرين عليهم ، وقد آمنوا يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة أي حزازة وغيظا وحسدا مما أوتوا أي مما أعطى المهاجرين من الفئ ، وذلك أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، قسم أموال بنى النضير بين المهاجرين ، ولم يعط الأنصار منها شيئا إلا الثلاثة الذين ذكرناهم ، فطابت أنفس الأنصار بذلك ويؤثرون على أنفسهم إخوانهم من المهاجرين بأموالهم ومنازلهم ولو كان خصاصة أي فاقة وحاجة إلى ما يؤثرون ، وذلك أنهم قاسموهم ديارهم وآموالهم . وعن آبن عباس رضى الله عنهما ، قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم النضير للأنصار : إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وتشاركونهم في هذه الغنيمة ، وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ولم يقسم عليكم شئ من الغنيمة فقالت الأنصار : بل نقسم لهم من ديارنا وأموالنا ونؤثرهم بالغنيمة ولم نشاركهم فيها . فأنزل الله عز وجل . " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " والشح في كلام العرب : البخل ومنع الفضل .
قوله تعالى : " والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا آغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم " قال آبن أبى ليلى : الناس على ثلاث منازل : الفقراء المهاجرين ، والذين تبوءوا الدار والإيمان ، والذين جاءوا من بعدهم ، فاجهد ألا تكون خارجا من هذه المنازل .
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : أمر الله عز وجل بالاستغفار لأصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهو يعلم أنهم سيفتنون . وعن عائشة رضى الله عنها قالت : أمرتم بالاستغفار لأصحاب محمد عليه السلام فسببتموهم ، سمعت نبيكم ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : " لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها . " قوله تعالى : " ألم إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل

الصفحة 105