كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 106 """"""
الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون . لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون . لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون " نزلت هذه الآيات في شأن عبد الله بن أبى ومن وافقه في إرسالهم لنبى النضير وقعودهم عنهم ، كما تقدم آنفا ، وقوله : " لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله " يقول : يرهبونكم أشد من رهبتهم الله تعالى . " ذلك بأنهم قوم لا يفقهون . " قوله تعالى : " لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون " أعلم الله تعالى المؤمنين أن اليهود لا يبرزون لهم بالقتال ، ولا يقاتلونهم إلا في قرى محصنة ، أو من وراء جدار بأسهم بينهم شديد يعنى بعضهم فظ على بعض ، وبعضهم عدو لبعض ، وعداوتهم بعضهم بعضا شديدة . وقيل : بأسم فيما بينهم من وراء الحيطان والحصون شديد ، فإذا خرجوا لكم فهم أجبن خلق الله . " تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى " قال قتادة : أهل الباطل مختلفة أهواؤهم ، مختلفة أعمالهم ، وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق . وقال مجاهد : أراد أن دين المنافقين يخالف دين اليهود . ذلك بأنهم قوم لا يعقلون .
قوله تعالى : " كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم " يعنى مثل هؤلاء اليهود كمثل الذين من قبلهم وهم مشركو مكة ذاقوا وبال أمرهم يوم بدر . قال مجاهد وقال ابن عباس : يعنى بنى قينقاع ؛ وقيل : مثل قريظة كمثل بنى النضير . ثم ضرب مثلا للمنافقين واليهود في تخاذلهم فقال تعالى : " كمثل الشيطان إذ قال للإنسان آكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين " وهي قصة برصيصا العابد مع الشيطان .
ذكر قصة برصيصا
روى أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي بسند يرفعه إلى ابن عباس ، رضى الله عنهما ، في قوله تعالى : " كمثل الشيطان إذ قال للإنسان آكفر " الآية . قال :

الصفحة 106