كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)
"""""" صفحة رقم 108 """"""
فتعرض لرجل فخنقه ، ثم جاءه في صورة رجل متطبب ، فقال لأهله : إن بصاحبكم جنونا فاعالجه ؟ فقالوا : نعم ؛ فقال لهم : إني لا أقوى على جنيته ، ولكنى سأرشدكم إلى من يدعو الله فيعافى ؛ فقالوا له : دلنا . قال : انطلقوا إلى برصيصا ، فإن عنده اسم الذي إذا دعى به أجاب . قال : فانطلقوا إليه فسألوه ذلك ، فدعا بتلك الكلمات فذهب عنه الشيطان . وكان يفعل الأبيض بالناس مثل هذا الذي فعل بالرجل ، ثم يرشدهم إلى برصيصا فيدعو لهم فيعافون . قال : فانطلق الأبيض فتعرض لجارية من بنات الملوك بين ثلاثة إخواة ، وكان أبوهم ملكا فمات فاستخلف أخاه ، وكان عمها ملك بنى إسرائيل ، فعذبها وخنقها ، ثم جاء إليهم ف صورة رجل متطبب ، فقال لهم : أعالجها ؟ قالوا : نعم . فعالجها فقال : إن الذي عرض لها مارد لا يطاق ، ولكن سأرشدكم إلى رجل تثقون به تدعونها عنده ، فإذا جاء شيطانها دعا لها ، حتى تعلموا أنها قد عوفيت وتردونها صحيحة ، قد ذهب عنها شيطانها ؛ قالوا : ومن هو ؟ قال : برصيصا ؛ قالوا : وكيف لنا أن يقبلها منا ويجيبنا إلى هذا ؟ هو أعظم شأنا من ذلك . قال : انطلقوا وابتنوا صومعة إلى جانب صومعته حتى تشرفوا عليه ، ولتكن هذه الصومعة التي تبنون لزيقة صومعته ، فإن قبلها و إلا تضعونها في صومعتها ، ثم قولوا له : هي أمانة عندك ، فاحتسب فيها . قال : فانطلقوا إليه فسألوه ذلك ، فأبى عليهم ، فبنوا صومعة على ما أمرهم الأبيض ، ثم اطلعوا عليه ووضعوا الجارية في صومعتها ، وقالوا له : يا برصيصا ، هذه أختنا قد عرض لها عدو من أعداء الله ، فهي أمانة عندك فاحتسب فيها . ثم انصرفوا ، فلما انفتل برصيصا عن صلاته عاين تلك الجارية وما بها من الجمال ، فأسقط في يده ، ودخل عليه أمر عظيم ، قال : فجاءها الشيطان فخنقها ؛ فلما رأى برصيصا ذلك انفتل عن صلاته ، فدعا بتلك الدعوات ، فذهب عنها الشيطان ، ثم أقبل على صلاته ، ثم جاءها الشيطان فخنقها ، وكان يكشف عن نفسها ويتعرض بها لبرصيصا ، وجاءه الشيطان ، فقال : ويحك واقعها فلن تجد مثلها ، فستتوب بعد ، فتدرك ما تريد من الأمر الذي تريد ؛ فلم يزل به حتى واقعها ، فا فترشها ، فلم يزل على ذلك يأتيها حتى حملت وظهر حملها ، فقال له الشيطان : ويحك قد افتضحت ، فهل لك أن تقتل هذه وتتوب ؟ فإن سألوك فقل : جاء شيطانها فذهب بها ولم أقو عليه . قال : ففعل . فقتلها ثم انطلق بها فدفنها إلى جانب الجبل ، فجاءه