كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)
"""""" صفحة رقم 109 """"""
الشيطان وهو يدفنها ليلا فأخذ بطرف إزارها ، فبقى طرف إزارها خارج التراب ، ثم رجع برصيصا إلى صومعته وأقبل على صلاته ، فجاء إخوتها يتعاهدون أختهم ، وكانوا يجيئون في بعض الأيام يسألون عنها ، ويطلبون إلى برصيصا ويوصونه بها ، فقالوا : يا برصيصا ، ما فعلت أختنا ؟ قال : جاء شيطانها فذهب بها ولم أطقه . قال : فصدقوه وآنصرفوا . فلما أمسوا وهم مكروبون ، جاء الشيطان إلى كبيرهم في المنام ، فقال ويحك إن برصيصا فعل بأختك كذا وكذا ، وإنه دفنها في موضع كذا وكذا من جبل كذا وكذا . فقال الأخ : هذا حلم وهو من عمل الشيطان ، برصيصا خير من ذلك . قال : فتتابع عليه ثلاث ليال فلم يكترث ، فآنطلق إلى الأوسط بمثل ذلك ، فقال الأوسط مثلما قال الأكبر ، فلم يخبر به أحدا ، فآنطلق إلى أصغرهم بمثل ذلك ، فقال أصغرهم لإخوته : والله لقد رأيت كذا وكذا . فقال الأوسط : وأنا والله لقد رأيت مثله . وقال الأكبر : وأنا والله لقد رأيت كذا وكذا ، فآنطلقوا بنا إلى برصيصا ؛ فأتوه ، فقالوا : يا برصيصا ، ما فعلت أختنا ؟ قال : أليس قد أعلمتكم بحالها وحال شيطانها فكأنكم اتهمتموني . فقالوا : لا والله لا نتهمك . فا ستحيوا منه وآنصرفوا عنه ، فجاءهم الشيطان فقال ، ويحكم إنها لمدفونة في موضع كذا ، وإن طرف إزارها خارج من التراب . قال : فآ نطلقوا فرأوا أختهم على ما رأوا في نومهم ، قال : فمشوا في مواليهم ، ومواليهم معهم الفؤس والمساحى ، فهدموا صومعته وأنزلوه ثم كتفوه وآنطلقوا به إلى الملك ، فأقر على نفسه ؛ وذلك أن الشيطان أتاه فقال : تقتلها ثم تكابر ، يجتمع عليك أمر ان قتل ومكابرة ، اعترف . فلما اعترف أمر الملك بقتله وصلبه على خشبة ، فلما صلب أتاه الأبيض عيانا ، وذلك أن إبليس لعنه الله ، قال للابيض : ومايغنى عنك ما صنعت ؟ إن قتل فهو كفارة لما كان منه . فقال الأبيض : أنا أكفيكه . فأتاه فقال : يا برصيصا ، أتعرفنى ؟ قال : لا . قال : أنا صاحبك الذي علمك الدعوات فا ستجيب لك ، ويحك أما اتقيت الله في أمانة خنت أهلها ، وأنك أعبد بنى إسرائيل أما راقبت الله في دينك فلم يزل بعيره ويوبخه ، ثم قال له في آخر ذلك : ألم يكفك ما صنعت حتى أقررت على نفسك وفضحك أشباهك من الناس فإن مت على هذه الحال لم يفلح أحد من نظرائك بعدك . قال : فكيف أصنع ؟ قال : تطيعني في خطة واحدة حتى أنجيك مما أنت فيه ، وآخذ بأعينهم ، وأخرجك من مكانك . ، فآنطلق إلى أصغرهم بمثل ذلك ، فقال أصغرهم لإخوته : والله لقد رأيت كذا وكذا . فقال الأوسط : وأنا والله لقد رأيت مثله . وقال الأكبر : وأنا والله لقد رأيت كذا وكذا ، فآنطلقوا بنا إلى برصيصا ؛ فأتوه ، فقالوا : يا برصيصا ، ما فعلت أختنا ؟ قال : أليس قد أعلمتكم بحالها وحال شيطانها فكأنكم اتهمتموني . فقالوا : لا والله لا نتهمك . فا ستحيوا منه وآنصرفوا عنه ، فجاءهم الشيطان فقال ، ويحكم إنها لمدفونة في موضع كذا ، وإن طرف إزارها خارج من التراب . قال : فآ نطلقوا فرأوا أختهم على ما رأوا في نومهم ، قال : فمشوا في مواليهم ، ومواليهم معهم الفؤس والمساحى ، فهدموا صومعته وأنزلوه ثم كتفوه وآنطلقوا به إلى الملك ، فأقر على نفسه ؛ وذلك أن الشيطان أتاه فقال : تقتلها ثم تكابر ، يجتمع عليك أمر ان قتل ومكابرة ، اعترف . فلما اعترف أمر الملك بقتله وصلبه على خشبة ، فلما صلب أتاه الأبيض عيانا ، وذلك أن إبليس لعنه الله ، قال للابيض : ومايغنى عنك ما صنعت ؟ إن قتل فهو كفارة لما كان منه . فقال الأبيض : أنا أكفيكه . فأتاه فقال : يا برصيصا ، أتعرفنى ؟ قال : لا . قال : أنا صاحبك الذي علمك الدعوات فا ستجيب لك ، ويحك أما اتقيت الله في أمانة خنت أهلها ، وأنك أعبد بنى إسرائيل أما راقبت الله في دينك فلم يزل بعيره ويوبخه ، ثم قال له في آخر ذلك : ألم يكفك ما صنعت حتى أقررت على نفسك وفضحك أشباهك من الناس فإن مت على هذه الحال لم يفلح أحد من نظرائك بعدك . قال : فكيف أصنع ؟ قال : تطيعني في خطة واحدة حتى أنجيك مما أنت فيه ، وآخذ بأعينهم ، وأخرجك من مكانك .
قال : وما هي ؟ قال : تسجد لي . قال : أفعل . فسجد له ، فقال : يا برصيصا ، هذا الذي أردت منك ، صارت عاقبة أمرك إلى أن كفرت بربك ، إني برئ منك ، إني أخاف الله رب العالمين .