كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 123 """"""
والنساء ، وكانوا كما قال الله تعالى : " إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا " قال : وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يبعث سلمة بن اسلم في مائتى رجل ، وزيد بن حارثة في ثلثمائة يحرسون المدينة ويظهرون التكبير ، وذلك أنه كان يخاف على الذرارى من بنى قريظة ، وكان عباد بن بشر على حرس قبة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، مع غيره من الأنصار يحرسونه كل ليلة ، ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمسلمون وجاه العدو لايزولون يعتقبون خندقهم ويحرسونه ، والمشركون يتناوبون بينهم ، فيغدو أبو سفيان بن حرب في أصحابه يوما ، ويغدو خالد بن الوليد يوما ، ويغدو عمرو بن العاص يوما ، ويغدو هبيرة بن أبى وهب يوما ، ويغد ضرار بن الخطاب الفهرى يوما ، فلا يزالون يجيلون خيلهم ، ويجتمعون مرة ويتفرقون أخرى ، ويناوشون أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، ويقدمون رماتهم فيرمون ، فرمى حبان بن العرقة سعد بن معاذ بسهم فأصاب أكحلة ، فقال : خذها وأنا ابن العرقة . ويقال : رماه أبو أسامة الجشمى .
قال ابن هشام : ولما اشتد على الناس البلاء بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى عيينة بن حصن بن حذيقة بن بدر ، وإلى الحارث بن عوف بن أبى حارثة المرى ، وهما قائدا غطفان ، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه ، فجرى بينه وبينهما الصلح ، حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولاعزيمة الصلح ، فلما أراد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يفعل بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر ذلك لهما ، واستشارهما فيه ، فقالا : يا رسول الله ، أمر تحبه فتصنعه ، أم شئ أمرك الله به لابد لنا من العمل به ، أم شئ تصنعه لنا ؟ قال : بل شئ أصنعه لكم ، والله ما أصنع ذلك إلا لأنى رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ، وكالبوكم من كل جانب ، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما . فقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله ، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان ، لا نعبد الله ولا نعرفه ، وهم

الصفحة 123