كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)
"""""" صفحة رقم 126 """"""
قريشا وغطفان ليسوا كأنتم ، البلد بلدكم ، به أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم ، لا تقدرون على أن تجلوا منه إلى غيره ، وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه ، وقد ظاهرتموهم عليه ، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره ، فليسوا كأنتم ، فإن رأوا نهزة أصابوها ، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم ، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم ، ليكونوا بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمدا حتى تناجزوه ؛ قالوا : لقد أشرت علينا بالرأى . ثم خرج حتى أتى قريشا ، فقال لأبى سفيان ومن معه : قد عرفتم ودى لكم وفراقى محمدا ، وإنه قد بلغنى أمر قد رأيت منه علي حقا أن أبلغكموه نصحا لكم ، فاكتموا عنى ؛ قالوا : نفعل ؛ فما هو ؟ قال : تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد ، وقد أرسلوا إليه : إنا قد ندمنا على ما فعلنا ، فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين : قريش وغطفان ، رجلا من أشرافهم ، ونعطيكم فتضرب أعناقهم ، ثم نكون معك على من بقى منهم حتى نستأصلهم ؟ فأرسل إليهم : نعم . فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلا واحدا . ثم خرج حتى أتى غطفان ، فقال : يا معشر غطفان ، إنكم أهلى وعشيرتى ، وأحب الناس إلى ، ولا أراكم تتهمونى ؛ قالوا : ما أنت عندنا بمتهم ؛ قال : فاكتموا عنى ؛ قالواك نفعل . ثم قال لهم مثلما قال لقريش ، وحذرهم ما حذرهم . فلما كانت ليلة السبت أرسل أبو سفيان بن حرب ورءوس غطفان إلى بنى قريظة عكرمة بن أبى جهل ، في نفر من قريش وغطفان ، فقالوا لهم : إنا لسنا بدار مقام ، قد هلك الخف والحافر ، فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدا ، ونفرغ فيما بيننا وبينه . فأرسلوا إليهم : إن اليوم يوم السبت ، وهو يوم لانعمل فيه شيئا ، وقد كان بعضنا أحدث فيه حدثا فأصابه مالم يخف عليكم ، ولسنا مع ذلك بالذي نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم ، يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا ، فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب ، واشتد عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم