كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)
"""""" صفحة رقم 127 """"""
وتتركونا ، والرجل في بلادنا ، ولا طاقة لنا بذلك منه . فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان : والله إن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق ، فأرسلوا إلى بنى قريظة : إنا والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا ، فإن كنتم تريدون القتال فأخرجوا فقاتلوا ؛ فقالت بنو قريظة حين انتهت الرسل إليهم بهذا : إن الذي ذكر لكم نعيم ابن مسعود لحق ، ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا ، فإن رأوا فرصة آنتهزوها ، وإن كان غير ذلك آنشمروا إلى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل . فأرسلوا إلى قريش وغطفان : إنا والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا . فأبوا عليهم ، وقال أبو سفيان : ألا أرانى أستعين بإخوة القردة والخنازير فوقع الآختلاف والخذلان بينهم ، وبعث الله عز وجل عليهم ريحا في ليلة شتاتية شديدة البرد ، فكفأت القدور وطرحت الأبنية . فلما آنتهى إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما وقع بينهم من الاختلاف أرسل حذيقة بن اليمان إليهم لينظر ما فعل القوم ليلا . قال حذيقة : دعانى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : يا حذيقة ، اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يفعلون ولا تحدثن شيئا . فذهب فدخلت فيهم ، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل ، لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء . فقام أبو سفيان فقال : يا معشر قريش ، لينظر آمرؤ من جليسه ؟ قال حذيقة : فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبى ، فقلت : من أنت ؟ فقال : فلان ابن فلان . ثم قال أبو سفيان : يا معشر قريش ، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام ، ولقد هلك الكراع والخف ، وأخلفنا بنو قريظة ، وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقينا من شدة الريح ما ترون ، فآرتحلوا فإني مرتحل . ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ، ثم ضربه فوثب به على ثلاث ، فما أطلق عقاله إلا وهو قائم ، ولولا عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى ألا أحدث شيئا حتى آتيه ، ثم لو شئت ، لقتلته بسهم . قال : فرجعت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبرته الخبر . وسمعت غطفان ما فعلت قريش ، فانشمروا راجعين إلى بلادهم وأصبح رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فانصرف راجعا إلى المدينة والمسلمون ووضعوا السلاح . وكان شعار المسلمين في غزوة الخندق حم لاينصرفون .
ولما آنصرف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه عن الخندق قال لأصحابه : لن تغزوكم