كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)
"""""" صفحة رقم 129 """"""
الجنوب للشمال ليلة الأحزاب : انطلقى بنصرة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت الشمال : إن الحرة لا تسرى بالليل ؛ وكانت الريح التى أرسلت عليهم الصبا ، قال رسول الله - ( صلى الله عليه وسلم ) - : " نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور . " قوله : " وجنودا لم تروها " هي الملائكة ، ولم تقاتل يومئذ ، قال المفسرون : بعث الله تعالى عليهم بالليل ريحا باردة ، وبعث الملائكة فقلعت الأوتاد ، وقطعت أطناب الفساطيط ، وأطفأت النيران ، وأكفأت القدور ، وجالت الخيل بعضها في بعض ، وأرسل الله عليهم الرعب ، وكثر تكبير الملائكة في جوانب عسكرهم حتى كان سيد كل حي يقول : يا بنى فلان ، هلم إلى ؛ فإذا اجتمعوا عنده قال : النجاء النجاء ، أتيتم . لما بعث الله عليهم من الرعب ، فانهزموا من غير قتال . قوله تعالى : " إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا " قال : قوله : " إذ جاءوكم من فوقكم " يعنى من فوق الوادي من قبل المشرق ، عليهم مالك بن عوف النصرى ، وعيينة آبن حصن الفزارى في ألف من غطفان ، ومعهم طليحة بن خويلد الأسدي في بنى أسد ، وحي بن أخطب في يهود بنى قريظة . ومن أسفل منكم يعني من بطن الوادي من قبل المغرب ، وهو أبو سفيان بن حرب في قريش ومن تبعه ، وأبو الأعور السلمى من قبل الخندق . وقال ابن إسحاق : الذين جاءوا من فوقهم بنو قريظة ، والذين جاءوا من أسفل منهم قريش وغطفان . وإذ زاغت الأبصار أي مالت وشخصت وبلغت القلوب الحناجر زالت عن أماكنها حتى بلغت الحلوق من الفزع . وتظنون بالله الظنونا قال : أما المنافقون فظنوا أن محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه سيغلبون ويستأصلون ، وأما المؤمنون فأيقنوا أن ما وعدهم الله حق ، وأنه سيظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون .
قوله تعالى : " هنالك آبتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا " قال : أي آختبروا ومحصوا ، ليعرف المؤمن من المنافق وزلزلوا : حركوا وخوفوا زلزالا تحريكا شديدا .
قوله تعالى : " وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا " قال : يعنى معتب بن قشير وأصحابه والذين في قلوبهم مرض أي شك وضعف اعتقاد . وقد قدمنا في أخبار المنافقين ما تكلم به معتب بن