كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 132 """"""
أخاه ، بين يديه شواء ورغيف ونبيذ ، فقال : أنت هاهنا في الشواء والرغيف والنبيذ ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بين الرماح والسيوف فقال : هلم إلى هذا ، والذي يحلف به لا يستقبلها محمد أبدا ؛ فقال : كذبت والذي يحلف به - وكان أخاه من أبيه وأمه - أما والله لأخبرن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أمرك . فذهب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليخبره ، فوجده قد نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية .
قوله تعالى : " أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدورا أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على أولئك لم يؤمنون فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا " قال : أشحة عليكم بالخبر والنفقة في سبيل الله ، وصفهم الله تعالى بالجبن والبخل فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم في رءوسهم من الخوف والجبن ، أي كدوران أعين الذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم أي عضوكم ورموكم بألسنة حداد ذربة ، وأصل السلق : الضرب قال قتادة : يعنى بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسم الغنيمة ، يقولون : أعطونا أعطونا ، فإنا قد شهدنا معكم القتال ، ولستم بأحق بالغنيمة منا ؛ وأما عند الغنيمة فأشح قوم وأسوأ مقاسمة ، وأما عند البأس فأجبن قوم وأخذله للحق . أشحة على الخير يعنى الغنيمة أولئك لم يؤمنوا .
قوله تعالى : " يحسبون الأحزاب لم يذهبوا " يعنى هؤلاء يحسبون الجماعات لم ينصرفوا عن قتالهم ، وقد انصرفوا جبنا منهم وفرقا وإن يأت الأحزاب أي يرجعوا إليهم كرة ثانية يودوا من الخوف والجبن لو أنهم بادون خارجون إلى البادية في الأعراب أي معهم يسألون عن أنبائكم يسأل بعضهم بعضا عن أخباركم ، وما آل إليه أمركم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا الإ قليلا يعني رياء من غير حسبة ، ولو كان ذلك القليل لله تعالى لكان كثيرا .
ثم قال تعالى مشيرا إلى المؤمنين : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا . ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما " قال قوله : أسوة حسنة أي سنة صالحة ، أن تنصروه وتؤازروه ، ولا تتخلفوا عنه ، ولا ترغبوا بأنفسكم عن نفسه وعن مكان نصرته كما فعل هو ، إذ كسرت رباعيته وجرح ، وقتل عمه حمزة ، وأوذى بضروب الأذى ، فواساكم مع ذلك بنفسه ، فافعلوا أنتم أيضا كذلك ، واستنوا بسنته لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا أي

الصفحة 132