كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 135 """"""
قال : وسار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إليهم في المسلمين ، وهم ثلاثة آلاف والخيل ستة وثلاثون فرسا ، فحاصرهم خمسة عشر يوما . قاله ابن سعد . وقال ابن إسحاق : خمسا وعشرين ليلة أشد حصار حتى جهدهم الحصار ، وقذف الله في قلوبهم الرعب . وكان حي بن أخطب دخل مع بنى قريظة في حصنهم ، حين رجعت عنهم قريش وغطفان وفاء لكعب بن أسد ، فلما أيقنوا أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) غير منصرف عنهم حتى يناجزهم ، قال كعب بن أسد لهم : يا معشر يهود ، قد نزل بكم ما ترون ، وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا ، فخذوا أيها شئتم ؛ قالوا : وماهي ؟ قال : نتابع هذا الرجل ونصدقه ، فو الله لقد تبين لكم أنه نبي مرسل ، وأنه الذي تجدونه في كتابكم ، فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم ؛ قالوا : لا نفارق حكم التوراة أبدا ، ولا نستبدل به غيره ؛ قال : فإذا أبيتم هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ، ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالا مصلتين السيوف ، لم نترك وراءنا ثقلا حتى يحكم الله بيننا وبينه ، فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه ، وإن نظهر فلعمرى لنجدت النساء والأبناء ؛ قالوا : نقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم ؟ قال : فإذا أبيتم على هذه فإن الليلة ليلة السبت ، وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها ، فآنزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة ؛ قالوا علينا سبتنا ، وتحدث فيه ما لم يحدث من كان قبلنا إلا قد علمت ، فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ ؛ قال : ما بات منكم رجل منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما . ثم بعثوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن أبعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر لنستشيره في أمرنا ؛ فأرسله إليهم ، فلما رأوه قام إليه الرجال ، وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه ، فرق لهم وقالوا له : يا أبا لبانة ، أترى أن ننزل على حكم محمد ؟ قال : نعم . وأشار بيده إلى حلقه ، أي إنه الذبح ، قال أبو لناتة : فو الله ما زلت قد ماى من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله . ثم آنطلق أبو لبابة على وجهه ، ولم يأت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده ، وقال : لا أبرح مكانى هذا حتى يتوب الله علي . قال : فلما بلغ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خبره وكان قد استبطأه قال : أما لو كان جاءني لآستغفرت له ، فأما إذ قد فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه . فأنزل الله تعالى فيه : وآخرون اعترفوا بذنو بهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم . قالت أم سلمة رضى الله

الصفحة 135