كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 154 """"""
فمررنا بالحرس وهم يحرسون جيفة خبيب ، فقال أحدهم : والله ما رأيت كالليلة أشبه بمشية عمرو بن أمية ، لولا أنه بالمدينة لقلت هو عمرو ؛ قال : فلما حاذى عمرو الخشبة شد عليها واحتملها ، خرجا شدا ، وخرجوا وراءه ، حتى أتى جرفا بمهبط مسيل يأجج ، فرمى بالخشبة في الجرف ، فغيبه الله عنهم ، فلم يقدروا عليه . قال عمرو : وقلت لصاحبي : النجاء ، حتى تأتي بعيرك فتقعد عليه ، فإني سأشعل عنك القوم ؛ قال : ومضيت حتى خرجت على ضجنان ، ثم أويت إلى جبل فدخلت كهفا ، فبينا أنا فيه إذ دخل على شيخ من بنى الديل أعور ، في غنيمة له ؛ فقال : من الرجل ؟ قلت : من بنى بكر ، فمن أنت ؟ قال : من بنى بكر ؛ فقلت : مرحبا ؛ فاضطجع ، ثم رفع عقيرته فقال :
ولست بمسلم ما دمت حيا . . . ولست أدين دين المسلمينا
فقلت في نفسي : ستعلم ؛ فأمهلته حتى إذا نام أخذت قوسي فجعلت سيتها في عينه الصحيحة ، ثم تحاملت عليها حتى بلغت العظم ، ثم خرجت حتى جئت العرج ، ثم سلكت ركوبة ، حتى إذا هبطت النقيع إذا رجلان من قريش من المشركين ، كانت قريش بعثتهما عينا إلى المدينة يتحسسان ؛ فقلت : استأسرا ؛ فأبيا ، فرميت أحدهما بسهم فقتلته ، ثم استأسر الآخر فأوثقه رباطا ، وقدمت به المدينة .
ولم يذكر أحد منهما تاريخ هذه السرية ، في أي شهر كانت ، فأذكره .
ذكر غزوة الحديبية وما وقع فيها من بيعة الرضوان ومهادنة قريش وغير ذلك
كانت غزوة الحديبية في ذي الحجة سنة ست من مهاجر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . قال محمد بن سعد : استنفر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه إلى العمرة ، فأسرعوا وتهيئوا ، ولبس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثوبين ، وركب راحلته القصواء وخرج ، وذلك يوم

الصفحة 154