كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 159 """"""
وكان يومئذ سيد الأحابيش ، وهو أحد بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة ، فلما رآه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : هذا من قوم يتألهون ، فابعثوا الهدى في وجهه حتى يراه . فلما رأى الهدى يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده ، قد أكل أو باره من طول الحبس عن محله رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إعظاما لما رأى ، فقال لهم ذلك ؛ فقالوا له : يا حليس ، إنما أنت أعرابي لا علم لك ؛ فقال : يا معشر قريش ، والله ما على هذا حالفناكم ، ولا على هذا عاهدناكم ، أيصد عن بيت الله من جاءه معظما له ؟ والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وبين ما جاء له ، أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد ؛ فقالوا له : مه ، كف عنا يا حليس ، ودعنا حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به ؛ قال : ثم بعثوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عروة بن مسعود الثقفي ، فقال لهم : يا معشر قريش ، إني قد رأيت ما يلقى منكم من بعثتموه إلى محمد إذا جاءكم من التعنيف وسوء اللفظ ، وقد عرفتم أنكم والد وأني ولد - وكان عروة ليبيعة بنت عبد شمس - وقد سمعت بالذي نابكم ، فجمعت من أطاعني من قومي ، ثم جئتكم حتى آسيتكم بنفسي ؛ قالوا : صدقت ، ما أنت عندنا بمتهم . فخرج حتى أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فجلس بين يديه ثم قال : يا محمد ، أجمعت أوشاب الناس ثم جئت بهم إلى بيضتك لتلفضها بهم ؟ يا محمد ، أرأيت إن استأصلت قومك فهل سمعت بأحد من العرب أصله قبلك ؟ وإنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل ، قد لبسوا جلود النمور ، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبدا وإني لأرى وجوها وأوشابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك ، وايم الله ، لكأني بهؤلاء قد انكشفوا غدا عنك . وأبو بكر الصديق رضى الله عنه خلف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قاعد ، فقال لعروة : امصص بظر

الصفحة 159