كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 164 """"""
لعلي : امح رسول الله . فقال : والله لا أمحوك أبدا . فأخذه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وليس يحسن يكتب فمحاه ؛ ثم قال : " اكتب : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو ، اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين ، يأمن فيها الناس ، ويكف بعضهم عن بعض ، وعلى أنه من قدم مكة من أصحاب محمد حاجا أو معتمرا أو يبتغي من فضل الله فهو آمن على نفسه وماله ، ومن قدم المدينة من قريش مجتازا إلى مصر أو الشام ، يبتغي من فضل الله فهو آمن على دمه وماله ، وعلى أنه من أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ، ومن جاء قريشا ممن مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لم يردوه عليه . " فاشتد ذلك على المسلمين ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " من جاءهم منا فأبعده الله ، ومن جاءنا منهم ورددناه إليهم فإن علم الله الإسلام من قلبه جعل له مخرجا . " وأن بيتنا عيبة مكفوفة ، وأنه لا إسلال ولا إغلال ، وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه . " فتواثبت خزاعة فقالوا : نحن في عقد محمد وعهده . وتواثبت بنو بكر فقالوا : نحن في عقد قرش وعهدهم . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " وعلى أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به . " فقال سهيل : والله لا تتحدث العرب أنك أخذتنا ضغطة ، ولكن لك ذلك من العام المقبل ؛ فكتب : وعلى أنك ترجع عنا عامك هذا فلا تدخل علينا مكة ، فإذا كان عام قابل خرجنا عنها لك فدخلتها بأصحابك ، فأقمت بها ثلاثا ، ولا تدخلها بالسلاح إلا السيوف في القرب ، وسلاح الراكب ، وعلى أن هذا الهدى حيثما حبسناه محله ، لا تقدمه علينا ؛ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " نحن نسوقه وأنتم تردون وجوهه " قال : فبينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو ، إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده ، وقد انفلت وخرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين ، فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه وأخذ بتلبيبه ، وقال : يا محمد ، قد تمت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا ، وهذا أول من أقاضيك عليه أن ترده إلينا ؛ ثم جعل يجره ليرده إلى قريش ، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته : يا معشر المسلمين ، أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ليفتنوني عن ديني ؟ ألا ترون ما قد لقبت ؟ وكان قد عذب عذابا شديدا في الله تعالى ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " يا أبا جندل ، احتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا ، إنا

الصفحة 164