كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)
"""""" صفحة رقم 165 """"""
قد عاقدنا بيننا وبين القوم عقدا وصلحا ، وأعطيناهم على ذلك عهدا ، وإنا لا نغدر . " قال : فوثب عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى أبى جندل يمشي إلى جنبه ، ويقول : اصبر يا أبا جندل ، فإنما هم المشركون ، وإنما دم أحدهم دم كلب - ويدنى قاتم السيف منه - قال : يقول عمر : رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه ، فضن الرجل بأبيه . ال : فبينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو ، إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده ، وقد انفلت وخرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين ، فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه وأخذ بتلبيبه ، وقال : يا محمد ، قد تمت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا ، وهذا أول من أقاضيك عليه أن ترده إلينا ؛ ثم جعل يجره ليرده إلى قريش ، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته : يا معشر المسلمين ، أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ليفتنوني عن ديني ؟ ألا ترون ما قد لقبت ؟ وكان قد عذب عذابا شديدا في الله تعالى ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " يا أبا جندل ، احتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا ، إنا قد عاقدنا بيننا وبين القوم عقدا وصلحا ، وأعطيناهم على ذلك عهدا ، وإنا لا نغدر . " قال : فوثب عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى أبى جندل يمشي إلى جنبه ، ويقول : اصبر يا أبا جندل ، فإنما هم المشركون ، وإنما دم أحدهم دم كلب - ويدنى قاتم السيف منه - قال : يقول عمر : رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه ، فضن الرجل بأبيه . قال : وكان أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خرجوا وهم لا يشكون في الفتح ، لرؤيا رآها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فلما رأوا ذلك دخل الناس أمر عظيم حتى كادوا يهلكون ، وزادهم أمر أبى جندل شرا إلى ما بهم ، قالوا : فلما فرغ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من الكتاب ، وفرغت القضية أشهد على الصلح رجالا من المسلمين ورجالا من المشركين : أبا بكر ، وعمر ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن سهيل بن عمرو ، وسعد بن أبى وقاص ، ومحمود بن مسلمة أخا بني عبد الأشهل ، ومكرز بن حفص بن الأخيف ، وهو مشرك ، وعلي بن أبى طالب ، وكان هو كاتب الصحيفة . قال : فلما فرغ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قضيته سار مع الهدى ، وسار الناس ، فلما كان الهدى دون الجبال التي تطلع على وادي الثنية عرض له المشركون ، فردوا وجوهه ، فوقف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حيث حبسوه ، وهي الحديبية ، وقال لأصحابه : " قوموا فانحروا ، ثم احلقوا . " قال : فو الله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات ؛ فلما لم يقم منهم أحد قام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فدخل على أم سلمة ، فذكر لها ما لقى من الناس ؛ فقالت له أم سلمة رضى الله عنها : يا نبي الله ، اخرج ولا تكلم منهم أحدا كلمة حتى تنحر بدنتك ، وتدعو حلاقك فيحلقك . فقام ( صلى الله عليه وسلم ) فخرج فلم يكلم أحدا منهم كلمة حتى نحر بدنته ودعا حلاقه فحلقه ، وكان الذي حلقه ذلك اليوم خراش بن أمية بن الفضل الخزاعي ، فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما . قال عبد الله آبن عمر وعبد الله بن عباس رضى الله عنهم : حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " يرحم الله المحلقين . " قالوا : يا رسول الله ، والمقصرين ؟ قال : " يرحم الله المحلقين " ؛ قالوا : يا رسول الله ، والمقصرين ؟ قال : " يرحم الله المحلقين ؛ " قالوا يا رسول الله ، والمقصرين ؟ قال : " يرحم الله المقصرين " قالوا : يا رسول الله ، فلم ظاهرت الترحم على المحلقين دون المقصرين ؟ قال : " لأنهم لم يشكوا . " قال ابن عمر : وذلك أنه تربص قوم قالوا : لعلنا نطوف بالبيت .
ذكر رجوع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى المدينة ونزول سورة الفتح
قال الزهري : وانصرف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من وجهه ذلك قافلا حتى كان بين مكة والمدينة نزلت سورة الفتح : " إنا فتحنا لك فتحا مبينا . "