كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)
"""""" صفحة رقم 167 """"""
من ذنبك وما تأحر . " وقد اختلف في الفتح ، ما هو ؟ فقال قتادة عن أنس : فتح مكة ، وقال مجاهد والعوفى : فتح خيبر ، وقال آخرون : فتح الحديبية ، ويدل عليه ما روى عن مجمع بن جارية الأنصاري ، - وكان أحد الذين قرءوا القرآن - قال : شهدنا الحديبية مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فلما انصرفنا عنها إذا الناس يهزون الأباعر ، فقال بعض الناس لبعض : ما بال الناس ؟ قالوا : أوحى إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . قال : فخرجنا نوجف ، فوجدنا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) واقفا على راحلته عند كراع الغميم ، فلما اجتمع إليه الناس قرأ : " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " فقال عمر : أو فتح هو يا رسول الله ؟ قال : نعم ، والذي نفسي بيده إنه لفتح . وقال الشعبى رحمه الله : فتح الحديبية ، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، واطعموا نخل خيبر ، وبلغ الهدى محله ، وظهرت الروم على فارس ، وفرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس . وقال مقاتل بن حيان : يسرنا لك يسرا بينا .
وقال مقاتل بن سليمان : لما نزل قوله تعالى : " وما أدرى ما يفعل بي ولا بكم " . فرح بذلك المشركون والمنافقون وقالوا : كيف نتبع رجلا لا يدري ما يفعل به وبأصحابه ، ما أمرنا وأمره إلا واحد ؛ فأنزل الله عز وجل بعد ما رجع من الحديبية : " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " أي قضينا لك قضاء بينا " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " فنسخت هذه الآية تلك . قال سفيان الثوري : " ما تقدم من ذنبك " ما عملت في الجاهلية وما تأخر كل شئ لم يعمله . وقال عطاء بن أبى مسلم الخراساني : ما تقدم من ذنبك يعني ذنب أبو يك آدم وحواء ببركتك وما تأخر ذنوب أمتك بدعوتك . وقال الزيادي : أي لو كان لك ذنب قديم أو حديث لغفرناه . ويتم نعمته عليك أي بالنبوة والحكمة ويهديك صراطا مستقيما أي ويثبتك عليه ، وقيل : يهدى بك ، وينصرك الله نصرا عزيزا غالبا ، وقيل : معزا .
قوله تعالى : " هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ، " قال الثعلبي : أي الرحمة والطمأنينة . قال ابن عباس رضى الله عنهما : بعث الله عز وجل نبيه عليه السلام بشهادة أن لا إله إلا الله ، فلما صدقوه زادهم الصلاة ، فلما صدقوه زادهم الزكاة ، فلما صدقوه زادهم الصيام ، فلما صدقوه زادهم الحج ، ثم زادهم الجهاد ، ثم أكمل لهم دينهم ، فذلك قوله عز وجل : " ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم " أي تصديقا بشرائع الإيمان مع تصديقهم بالإيمان . وقال الضحاك : يقينا مع يقينهم . وقال الكلبى : هذا في أمر الحديبية . وروى عن أنس بن مالك رضى الله عنه أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما قرأ على الناس قوله : " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأحر " قالوا : هنيئا مريئا يا رسول الله ، قد بين الله ما يفعل بنا ؟ فأنزل الله تعالى : " ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما " ثم قال تعالى " ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء " إن لم ينصر محمد والمؤمنون " عليهم دائرة السوء " بالذل والعذاب " وغضب الله عليهم ولعهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا " إلى قوله : " وتحسبوه بكرة وأصيلا " ثم ذكر الله تعالى قصة البيعة ، وقد تقدمت .
ثم قال تعالى : " سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا " قال ابن عباس ومجاهد : يعنى أعراب غفار ومزينة وجهينة وأشجع وأسلم والديل ، وذلك أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين أراد السير إلى مكة عام الحديبية معتمرا استنفر من حول المدينة من الأعراب وأهل