كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 18 """"""
لتمنعوا غيركم ورجالكم وأموالكم ، فقد نجاها الله فأرجعوا ؛ فقال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نرد بدرا ؛ وكان بدر موسما من مواسم العرب يجتمع لهم فيه سوق في كل عام ، فنقيم عليه ثلاثا ، فننحرا لجزور ، ونطعم الطعام ، ونسقى الخمر ، وتعزف علينا القيان ، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا ، فلا يزالون يهابوننا أبدا بعدها ، فامضوا . فمضت قريش حتى نزلوا العدوة القصوى من الوادي ، والقلب ببدر في العدوة الدنيا ، قال : وبعث الله السماء ، وكان الوادي دهسا ، فأصاب رسول لله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه منها ما لبد لهم الأرض ، ولم يمنعهم من المسير . وقال آبن سعد : كان المسلمون يومئذ يميدون من النعاس ونزلوا على كثيب أهيل ، فمطرت السماء فصار مثل الصفا يسمعون عليه سعيا . وأنزل الله تعالى : إذ يغشاكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام . قال آبن إسحاق : وأصاب قريشا منها ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه ، فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يبادرهم إلى الماء ، حتى إذا جاء أدنى ماء من ماء بدر نزل به ، فأتاه الحباب بن المنذر بن الجموح فقال : يا رسول الله ، هذا المنذل منذل أنزلكة الله ، ليس لنا إن نتقدمه ، ولا نتأخر عنه ، أم هو الرأي الحرب والمكيدة ؟ فقال رسول الله عليه وسلم : بل الرأي والحرب والمكيدة . قال يا رسول الله : فان هذا ليس بمنزل ، فانهض بالناس حتى تأتى أدنى ماء من القوم فتنزله ، ثم نعور ما وراءه من القلب ، ثم نبتنىعليه حوضا فنملأه ماء ، ثم تقاتل القوم فنشرب ولا يشربون ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : لقد أشرت بالرأي ، فنهض بالناس وسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم ، نزل عليه ، ثم أمر بالقلب فعورت ، وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه ، فملئ ماء ، ثم قذفوا فيه الآنية .

الصفحة 18