كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)
"""""" صفحة رقم 194 """"""
فقال : إنما جئت أريد الإسلام . قلنا : إن تكن مسلما لم يضررك رباطنا يوما وليلة . قال : فشددناه وثاقا ، وخلفنا عليه رويجلا منا أسود ، وسرنا حتى أتينا الكديد عند غروب الشمس ، فكمنا في ناحية الوادي ، وبعثني أصحابي ربيئة ، فخرجت حتى آتى تلا مشرفا على الحاضر ، فاستندت فيه ، فعلوت في رأسه ، فنظرت إلى الحاضر ، فو الله إني لمنبطح على التل إذ خرج رجل منهم من خبائه ، فقال لآمرأته : إني لأرى على التل سوادا ما رأيته في أول يومي ، فآنظري إلى أوعيتك ، هل تفقدين منها شيئا ؟ لا تكون الكلاب جرت بعضها قال : فنظرت ، فقالت : لا والله ما أفقد شيئا . قال : فناولني قوسي وسهمين . فناولته ، فأرسل سهما فو الله ما أخطأ جنبي ، فأنزعه فأضعه ، وثبت مكاني ، ثم أرسل الآخر فوضعه في منكبي ، فأنزعه فأضعه ، وثبت مكاني ، فقال لآمرأته : لو كان ربيئة لقد تحرك ، لقد خالطه سهماى لا أبا لك فإذا أصبحت فآبتغيهما فخذيهما لا تمضغهما الكلاب ؛ قال : ثم دخل ، وأمهلناهم حتى آطمأنوا - وكان وجه السحر - شننا عليهم الغارة ، وآستقنا النعم ، فخرج صريخ القوم في قومهم ، فجاء ما لا قبل لنا به ، فخرجنا بها نحدرها حتى مررنا بابن البرصاء فاحتملناه وآحتملنا صاحبنا ، وأدركنا القوم حتى نظروا إلينا ، ما بيننا وبينهم إلا الوادي - وادي قديد - فأرسل الله تعالى الوادي بالسيل من حيث شاء تبارك وتعالى من غير سحابة نراها ولا مطر ، فجاء بشئ ليس لأحد به قوة ، ولا يقدر على أن يجاوزه ، فلقد رأيتهم وقوفا ينظرون إلينا ، وإنا لنسوق نعمهم ما يستطيع رجل منهم أن يجيز إلينا ، ونحن نحدوها سراعا حتى فتناهم ، فلم يقدروا على طلبنا ، قال : فقدمنا بها على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) .
قال آبن سعد : كانوا بضعة عشر رجلا ، وكان شعارهم يومئذ : أمت أمت
ذكر سرية غالب بن عبد الله الليثي أيضا إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك
كانت في صفر سنة ثمان من هجرة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد هيأ الزبير بن العوام رضى الله عنه ، قال له : سر حتى تنتهي إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد ، فإن أظفرك الله بهم فلا تبق فيهم ، وهيأ معه مائتي رجل ، وعقد له لواء ، فقدم غالب بن عبد الله من الكديد ، وقد أظفره الله ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) للزبير : آجلس . وبعث غالب بن عبد الله في مائتي رجل ، فيهم أسامة بن زيد ، فسار حتى آنتهى إلى أصحاب بشير ، فأصابوا نعما ، وقتلوا قتلى .