كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 197 """"""
شهادة . فقال الناس : قد والله صدق آبن رواحة . قال : فمضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال المشارف ، ثم دنا العدو ، وآنحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة ، ووافاهم المشركون ، فجاء منهم ما لا قبل لأحد به من العدد والسلاح والكراع والديباج والحرير والذهب فعبأ المسلمون ، فجعلوا على ميمنتهم رجلا من بني عذرة يقال له : قطبة بن قتادة ، وعلى ميسرتهم رجلا من الأنصار يقال له : عباية بن مالك - ويقال : عبادة - ثم آلتقوا وآقتتلوا ، فقاتل زيد بن الحارثة رضى الله عنه براية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى قتل طعنا بالرماح ، ثم أخذ الراية جعفر بن أبى طالب ، فنزل عن فرس له شقراء فعرقبها ، فكانت أول فرس عرقبت في الإسلام ، وقاتل حتى قتل ، ضربه رجل من الروم فقطعه نصفين فوجد في أحد نصفيه بضعة وثمانون جرحا ، ووجدنا فيما أقبل من بدنه آثنتين وسبعين ضربة بسيف وطعنة برمح . وحكى أبو محمد عبد الملك بن هشام أن جعفر بن أبى طالب أخذ اللواء بيمينه فقطعت يده ، فأخذه بشماله فقطعت ، فآحتضنه بعضديه حتى قتل وهو آبن ثلاث وثلاثين سنة ، فأثابه الله تعالى بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء .
وقال محمد بن إسحاق : كان جعفر يقاتل وهو يقول :
يا حبذا الجنة وآقترابها . . . طيبة وباردا شرابها
والروم روم قد دنا عذابها . . . كافرة بعيدة أنسابها
على إن لاقيتها ضرابها
قال : ولما قتل جعفر أخذ عبد الله بن رواحة الراية ، ثم تقدم بها وهو على فرسه ، فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد ، ثم قال :
أقسمت يا نفس لتزلنه . . . لتنزلن أو لتكرهنه
إن أجلب الناس وشدوا الرنة . . . مالي أراك تكرهين الجنة

الصفحة 197