كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)
"""""" صفحة رقم 204 """"""
أرجعن كما جئت خائبا ، فاشفع لي إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : ويحك يا أبا سفيان ، والله لقد عزم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه ، فآلتفت إلى فاطمة فقال : يا بنت محمد ، هل لك أن تأمري بنيك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر ؟ قالت : والله ما بلغ بني ذاك أن يجير بين الناس ، وما يجير أحد على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ؛ فقال : يا أبا الحسن ، إني أرى الأمور قد آشتدت علي ، فانصحني ، قال : والله ما أعلم شيئا يغني عنك ، ولكنك سيد بني كنانة . فقم فأجر بين الناس ، ثم آلحق بأرضك ، قال : أو ترى ذلك مغنيا عنى شيئا ؟ قال : لا والله ، ما أظنه ، ولكن لا أجد لك غير ذلك ، فقام أبو سفيان في المسجد فقال : أيها الناس ، إني قد أجرت بين الناس ، ثم ركب بعيره وآنطلق ، فلما قدم مكة على قريش قالوا : ما وراءك ؟ قال : جئت محمدا فكلمته ، فو الله ما رد علي شيئا ، ثم جئت آبن أبى قحافة فلم أجد فيه خيرا ، ثم جئت آبن الخطاب فوجدته أعدى العدو ، ثم جئت عليا فوجدته ألين القوم ، وقد أشار علي بشئ صنعته ، فو الله ما أدرى هل يغني شيئا أم لا ؟ قالوا : وبم أمرك ؟ قال : أمرني أن أجير بين الناس ، ففعلت ، قالوا : فهل أجاز ذلك محمد ؟ قال : لا ؛ قالوا : ويلك ، والله إن زاد الرجل على أن لعب منك ، فما يغني عنك ما فعلت ، ثم تجهز رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخفى مقصده ، ثم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة ، وامرهم بالجد والتهيؤ ، وقال : اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها . والله المعين .
ذكر خبر حاطب بن أبى بلعتة في كتابه إلى أهل مكة ، وإعلام الله تعالى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك ، وأخذه الكتاب ، وما أنزل الله عز وجل في ذلك من القرآن
قال : ولما أجمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المسير إلى مكة كتب حاطب ابن أبى بلعتة كتابا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من الأمر في المسير إليهم ، ثم أعطاه آمرأة يقال إنها من مزينة - وقيل : هي سارة مولاه لبعض بني عبد المطلب - وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا ، فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرونها وخرجت به ، وأتى