كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 207 """"""
ومظاهرتهم ، فلن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم التي عصيتم الله لأجلهم يوم القيامة يفصل بينكم فيدخل أهل طاعته والإيمان به الجنة ، ويدخل أهل معصيته والكفر به النار .
قوله تعالى : " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده " الآية ، ثم قال تعالى : " لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغتي الحميد " قال : قوله : لقد كان لكم فيهم يعنى في إبراهيم ومن معه من الأنبياء والأولياء ؛ قال : فلما نزلت هذه الآية عادى المؤمنون أقرباءهم من المشركين في الله ، وأظهروا لهم العداوة والبراءة ، فعلم الله تعالى شدة وجد المؤمنين بذلك ، فأنزل : " عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم ؛ " قال : ففعل الله عز وجل ذلك بأن أسلم كثير من مشركي مكة ، فصاروا للمؤمنين أولياء وإخوانا ، وخالطوهم وناكحوهم . قوله تعالى : " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين " معناه : أن تعدلوا فيهم بالإحسان والبر ، وآختلف العلماء فيمن نزلت فيهم هذه الآية ، فقال آبن عباس : نزلت في خزاعة ، منهم هلال بن عويمر ، وخزيمة ، وسراقة بن مالك ابن جعشم ، وبنو مدلج ، وكانوا صالحوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على ألا يقاتلوه ولا يعينوا عليه أحدا .
وقال عبد الله بن الزبير : نزلت في أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهم ، وذلك أن أمها قتيلة بنت عبد العزي بن عبد أسعد من بني مالك بن حسل قدمت عليها المدينة بهدايا وهي مشركة ، فقالت أسماء : لا أقبل منك هدية ، ولا تدخلي علي بيتي حتى أستأذن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ؛ فسألت لها عائشة رضى الله عنها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية ، فأمرها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن تدخلها منزلها ، وتقبل هديتها ، وتحسن إليها ، وتكرمها .
وقال مرة الهمذاني وعطية العوفى : نزلت في قوم من بني هاشم ، منهم العباس .
ثم قال تعالى : " إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون " قال : وهم مشركو مكة . فلنرجع إلى أخبار غزوة الفتح .

الصفحة 207