كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)
"""""" صفحة رقم 211 """"""
قال آبن سعد : وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد آستعمل عمر تلك الليلة على الحرس ؛ قال العباس : فقال عمر : من هذا ؟ قام إلي ، فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة قال : أبو سفيان عدو الله الحمد الله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ، ثم خرج يشتد نحو رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وركضت البغلة فسبقته ، فآقتحمت عن البغلة ، ودخلت على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ودخل عمر ، فقال : يا رسول الله ، هذا أبو سفيان قد أمكن منه بغير عقد ولا عهد ، فدعني أضرب عنقه . قال العباس ، قلت : يا رسول الله ، قد أجرته ، ثم جلست إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخذت برأسه وقلت : والله لا يناجيه الليلة رجل دوني ، فلما أكثر عمر في شأنه قلت : مهلا يا عمر ، فو الله أن لو كان من رجل بني عدي بن كعب ما قلت هذا ، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف ؛ فقال عمر : مهلا يا عباس ، فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلى من إسلام الخطاب لو أسلم ، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من إسلام الخطاب لو أسلم ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " اذهب به يا عباس إلى رحلك ، فإذا أصبحت فأتني به ؛ " قال : فذهب به إلى رحلى ، فبات عندي ، فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فلما رآه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : " ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله ، " قال : بأبى أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ، والله لقد ظننت أن كان مع الله إله غير لقد أغنى شيئا بعد ؛ قال : ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ ؛ قال : بأبى أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك أما والله هذه فإن في النفس منها حتى الآن شيئا ؛ فقال له العباس : ويحك أسلم وآشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك ؛ قال : فشهد شهادة الحق ، فقلت : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر ، فآجعل له شيئا .
قال : نعم ، من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ؛ فلما ذهب لينصرف قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " يا عباس ، احتبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها . " قال : فخرجت به حتى حبسته حيث أمرني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن أحبسه ؛ قال : ومرت القبائل على راياتها كلما مرت قبيلة قال : يا عباس ، من هذه ؟ . فأقول : سليم ، فيقول : مالي ولسليم ، ثم تمر القبيلة ، فيقول : من هذه ؟ فأقول : مزينة ، فيقول : مالي ولمزينة ، حتى مرت القبائل ، فما تمر قبيلة إلا سألني عنها ، فإذا أخبرته بهم ، قال : مالي ولبني فلان حتى مر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في كتيبته الخضراء ، فيها المهاجرون والأنصار - وإنما سميت بالخضراء