كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 218 """"""
قالت : لما وقف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على ذي طوى قال أبو قحافة لآبنة له من أصغر ولده : أي بنية ، اظهرى بي على جبل أبى قبيس - قالت : وكان قد كف بصره - فأشرفت به عليه فقال لها : أي بنية ؛ ماذا تين ؟ قالت : أرى سوادا مجتمها ، قال : تلك الخيل ؛ قالت : وأرى رجلا يسعى بين يدي ذلك السواد مقبلا ومدبرا ؛ قال : أي بنيه ، ذلك الوازع ، - يعني الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها - ثم قالت : قد والله انتشر السواد ؛ فقال : قد والله إذا دفعت الخيل ، فأسرعي بي إلى بيتي ؛ قالت : فآنحطت به ، وتلقاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته ؛ قالت : وفي عنق الجارية طوق من ورق ، فتلقاها رجل فاقتطعه من عنقها ، فلما دخل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى المسجد أتى أبو بكر بأبيه يقوده ، فلما رآه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه ؟ قال أبو بكر : يا رسول الله ، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه أنت ، فأجلسه بين يديه ، ثم مسح صدره ، ثم قال له : أسلم ، قالت : فأسلم ؛ قالت : فدخل به أبو بكر وكأن رأسه ثغامة ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : غيروا هذا من شعره ، ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته فقال : أنشد الله والإسلام طوق أختي ؛ فلم يجبه أحد ؛ قالت : فقال : أي أخية ، احتسبي طوقك ، فو الله إن الأمانة في الناس اليوم لقليل .
وأسلم عبد الله بن الزبعري عام الفتح وحسن إسلامه ، وكان ممن يؤذي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أشد الأذى في الجاهلية ، فأسلم وآعتذر إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقبل عذره ، وكان شاعرا مجيدا ، فقال يمدح رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : وله في مدحه أشعار كثيرة ينسخ بها ما قد مضى في كفره ، منها قوله :
منع الرقاد بلابل وهموم . . . والليل معتلج الرواق بهيم
مما أتاني أن أحمد لامنى . . . فيه فبت كأنني محموم

الصفحة 218