كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)
"""""" صفحة رقم 225 """"""
كنت يومئذ في جند خالد ، فبعثنا في إثر ظعن مصعدة يسوق بها فتية ، فقال : أدركوا أولئك ؛ فخرجنا في أثرهم حتى أدركناهم ، فمضوا ، ووقف لنا غلام على الطريق ، فلما ىنتهينا إليه جعل يقاتلنا ويرتجز ويقول :
أرخين أطراف الذيول وآرتعن . . . مشى حييان كأن لم يفزعن
إن يمنع اليوم نساء تمنعن
فقاتلنا طويلا ، فقتلناه ومضينا ، حتى لحقنا الظعن ، فخرج إلينا غلام كأنه الأول ، فجعل يقاتلنا ويقول :
أقسم ما إن خادر ذو لبده . . . يرزم بين أيكة ووهده
يفرس ثنيان الرجال وحده . . . بأصدق الغداة مني نجده
فقاتلناه حتى قتلناه ، وأدركنا الظعن ، وإذا فيهن غلام وضئ به صفرة في لونه كالمنهوك ، فربطناه بحبل ، وقدمناه لنقتله ، فقال : هل لكم في خير ؟ قلنا : ما هو ؟ قال : تدركون بي الظعن أسفل الوادي ثم تقتلونني ؛ قلنا : نفعل ؛ فخرجنا حتى نعارض الظعن بأسفل الوادي ، فلما كان بحيث يسمعون الصوت ، نادى بأعلى صوته : اسلمى حبيش ، عند فقد العيش ؛ فأقبلت إليه جارية بيضاء حسناء ؛ فقالت : وأنت فآسلم على كثرة الأعداء ، وشدة البلاء ؛ قال : سلام عليك دهرا ، وإن بقيت عصرا ؛ فقالت : وأنت سلام عليك عشرا ، وشفعا ووترا ، وثلاثة تترى ؛ فقال :
إن يقتلوني يا حبيش فلم يدع . . . هواك لهم منى سوى غلة الصدر
فأنت التي أخليت لحمى من دمي . . . وعظمى وأسبلت الدموع على نحرى
فقالت له :
ونحن بكينا من فراقك مرة . . . وأخرى وآسيناك في العسر واليسر
وأنت فلا تبعد فنعم فتى الهوى . . . جميل العفاف والمودة في ستر
فقال لها :
أريتك إن طالبتكم فوجدتكم . . . بحرة أو أدركتكم بالخوانق