كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 227 """"""
على فرس في أخريات الناس ، فبوأت له الرمح فوضعته بين كتفيه . فقال : لا إله ، فقبضت الرمح ، فقال : إلا اللات أحسنت أو أساءت ، فهشمته هشمة أرديته بها ، ثم أخذته أسيرا ، فشدته وثاقا ، ثم كلمته فلم يكلمني ، وآستخبرته فلم يخبرني ؛ فلما كان ببعض الطرق رأى نسوة من بني جذيمة يسوق بهن المسلمون ، فقال : يا خالد ، فقلت : ما تشاء ؟ فقال : هل أنت واقفي على هذه النسوة ؟ فآبيت ، فآلى على أصحابي ، ففعلت ، وفيهن جارية تدعى حبيشة ، فقال : لها : ناوليني يدك ، فناولته يدها في ثوبها ، فقال : اسلمى حبيش ، قبل نفاد العيش . فقالت : حييت عشرا ، وتسعا تترى ، وثمانيا أخرى ، فقال :
أريتك إذ طالبتكم فوجدتكم . . . بنخلة أو أدركتكم بالخوانق
ألم يك حقا أن ينول عاشق . . . تكلف إدلاج السرى والودائق
فقالت : بلى ، فقال :
فقد قلت إذ أهلى وأهلك جيرة . . . أثيبي بود قبل إحدى الصفائق
أثيبي بود قبل أن تشحط النوى . . . وينأى الأمير بالحبيب المفارق
فإني لا ضيعت سر أمانة ولا راق عيني بعد عينك رائق
قال خالد : فغاظني ما رأيت من غزله وشعره في حاله تلك ، فقدمته فضربت عنقه ، فأقبلت الجارية تسعى حتى أخذت برأسه فوضعته في حجرها ، وجعلت ترشفه وتقول :
لا تبعدن يا عمرو حيا وهالكا . . . ولا يبعدن المدح مثلك من مثلي
ولا تبعدن يا عمر حيا وهالكا . . . فقد عشت محمود الثنا ماجد الفعل
فمن لطراد الخيل تشجر بالقنا . . . وللنحر يوما عند قرقرة البزل
فما زالت تبكي وتردد هذه الأبيات حتى ماتت ، وإن رأسه لفى حجرها ، فقال

الصفحة 227