كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 229 """"""
مالك ، فقال : يا مالك ، إنك قد أصبحت رئيس قومك ، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام ، مالي أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ، ويعار الشاء ؟ قال : سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم ، قال : ولم ؟ قال : أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم ، قال : فأنقض به - أي صاح - ثم قال : راعي ضأن والله وهل يرد المنهزم شئ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ثم قال : ما فعلت كعب وكلاب ؟ قالوا : لم يشهدها منهم أحد ، قال : غاب الحد والجد ؛ ولو كان يوم علاء ورفعه لم تغب عنه كعب وكلاب ، ولوددت أنكم فعلتم كما فعلت ، فمن شهدها منكم ؟ قالوا : عمرو بن عامر ، وعوف بن عامر ، قال : ذانك الجذعان من عامر لا ينفعان ولا يضران ، يا مالك : إنك لم تصنع بتقديم البيضة ، بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا ، ادفعهم إلى متمنع بلادهم ، وعليا قومهم ، ثم آلق الصباء على متون الخيل ، فإن كانت لك لحق بك من وراءك ، وإن كانت عليك ألفاك ذلك ، قد أحرزت أهلك ومالك ، قال : لا والله ، لا أفعل ، إنك قد كبرت وكبر عقلك ، والله لتطيعنني يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهرى . وكره أن يكون لدريد بن الصمة فيها ذكر ورأى ، قالوا : أطعناك ، فقال دريد : هذا يوم لم أشهده ولم يفتنى .
ياليتني فيها جذع . . . أخب فيها وأضع
أقود وطفاء الزمع . . . كأنها شاة صدع
ثم قال مالك بن عوف للناس : إذا رأيتوهم فاكسروا جفون سيوفكم ، ثم شدوا شدة رجل واحد ؛ قال : وبعث مالك بن عوف عيونا من رجاله ، فأتوه وقد تفرقت أوصالهم من الرعب ، فقال : ويلكم ما شأنكم ؟ قالوا : رأينا رجالا بيضا ، على خيل بلق ، فو الله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى ، فلم يرده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد .

الصفحة 229