كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 232 """"""
جفاة مكة الهزيمة ، تكلم رجال بما في أنفسهم من الضغن ، فقال أبو سفيان بن حرب : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، وإن الأزلام لمعه في كنانته ، وصرخ جبلة بن الحنبل وهو مع أخيه صفوان بن أمية : ألا بطل السحر اليوم فقال له صفوان : اسكت فض الله فاك فو الله لأن يربنى رجل من قريش أحب إلى من أن يربنى رجل من هوازن ؛ وقال شيبة بن عثمان بن أبى طلحة : اليوم أدرك ثأرى من محمد - وكان أبوه قتل يوم أحد - اليوم أقتل محمدا . قال : فبادرت لأقتله ، فأقبل شئ حتى غشى فؤادى ، فلم أطلق ذلك ، فعلمت أنه ممنوع منى . وفي رواية أخرى ، قال شيبة بن عثمان : استدبرت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم حنين وأنا أريد أن أقتله بطلحة بن عثمان ، وعثمان بن طلحة ، فأطلع الله رسوله على ما في نفسى ، فآلتفت إلى وضرب في صدرى وقال : أعيذك بالله يا شيبة ، فأرعدت فرائصى ، فنظرت إليه وهو أحب إلى من سمعى وبصرى فقلت : أشهد أنك رسول الله ، وأن الله أطلعك على ما في نفسى .
وروى محمد بن إسحاق بسنده إلى العباس قال : إني لمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) آخذ بحكمة بغلته البيضاء وقد شجرتها بها ، وكنت آمرأ جسيما شديد الصوت ، ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول حين رأى ما رأى من الناس : أين أيها الناس ، فلم أر الناس يلوون على شئ ، فقال : يا عباس ، اصرخ ، يا معشر الأنصار ، يا معشر أصحاب السمرة قال : فأجابوا لبيك لبيك ، قال : فيذهب الرجل ليثنى بعيره فلا يقدر على ذلك ، ويأخذ درعه فيقذفها في عنقه ، ويأخذ سيفه وترسه ويقتحم عن بعيره ويخلى سبيله ، فيؤم الصوت حتى ينتهي إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، حتى إذا آجتمع إليه منهم مائة آستقبلوا الناس فآقتتلوا ؛ فأشرف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في ركائبه ، فنظر إلى مجتلد القوم ، فقال : ألان حمى الوطيس .

الصفحة 232