كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 235 """"""
الوادي ، ثم طلعت خيل أخرى تتبعها ، فقال لأصحابه : ماذا ترون ؟ قالوا : نرى قوما عارضى رماحهم أغفالا على خيلهم ، فقال : هؤلاء الأوس والخزرج ، ولا بأس عليكم منهم ؛ فلما آنتهوا إلى أصل الثنية سلكوا طريق بنى سليم ، ثم طلع فارس فقال لأصحابه : ماذا ترون ؟ قالوا : نرى فارسا طويل الباد واضعا رمحه على عاتقه ، عاصبا رأسه بملاءة حمراء ، فقال : هذا الزبير بن العوام ، وأحلف باللات ليخالطنكم ، فآثبتوا له ، فلما انتهى الزبير إلى أصل الثنية ، أبصر القوم فصمد لهم ، فلم يزل يطاعنهم حتى أزاحهم عنها .
قالوا : ولما آنهزم القوم أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بقتل من قدر عليه ، فحنق المسلمون عليهم ، فقتلوا الذرية والنساء ، فمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يومئذ بآمرأة قد قتلها خالد بن الوليد ، فقال : ما هذه ؟ قالوا : امرأة قتلها خالد بن الوليد ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لبعض من معه : " أدرك خالد بن الوليد فقل له : إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليدا أو آمرأة ؛ " وأنزل الله تعالى في يوم حنين قوله تعالى : " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين . ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين " .
قال الثعلبي : قال سعيد بن جبير : أمد الله تعالى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بخمسة آلاف من الملائكة مسومين .
وقال الحسن ومجاهد : كانوا ثمانية آلاف .
وقال الحسن : كانوا ستة عشر ألفا ؛ قال سعيد بن جبير : حدثني رجل كان في المشركين يوم حنين قال : لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لم يقفوا لنا حلبة شاة ، فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم ، حتى إذا آنتهينا إلى صاحب البغلة الشهباء - يعني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) - فتلقانا رجال بيض الثياب حسان الوجوه ، فقالوا لنا : شاهت الوجوه ، ارجعوا ، فرجعنا ، وركبوا أكتافنا ، فكانت إياها . يعني الملائكة .
قال : وفي الخبر أن رجلا من بني نصر يقال له شجرة قال للمؤمنين بعد القتال : أين الخيل البلق ، والرجال عليهم ثياب بيض ؟ ما كنا نراكم فيهم إلا كهيئة الشامة ، وما كان قتلنا إلا بأيديهم ، فأخبروا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك فقال : تلك الملائكة .
وقال محمد بن سعد : كان سيما الملائكة يوم حنين عمائم حمر قد أرخوها بين أكتافهم .

الصفحة 235