كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 251 """"""
العسكرين ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يستخلف على عسكره أبا بكر الصديق رضى الله عنه ، فصلى بالناس ، وآستخلف على المدينة محمد بن مسلمة ، فلما سار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تخلف عبد الله بن أبى ، ومن كان معه ، وتخلف نفر من المسلمين من غير شك ولا آرتياب ، منهم كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن الربيع ، وأبو خيثمة مالك بن قيس السالمي ، وأبو ذر الغفاري ؛ وأمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كل بطن من الأنصار والقبائل من العرب أن يتخذوا لواء أو راية ، ومضى ( صلى الله عليه وسلم ) لوجهه يسير بأصحابه حتى قدم تبوك في ثلاثين ألفا من الناس ، والخيل عشرة آلاف فرس ، فأقام بها عشرين ليلة يصلي ركعتبن ركعتين ، ولحقه بها أبو خيثمة وأبو ذر .
قال محمد بن إسحاق في سبب مسير أبى خيثمة إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : إنه جاء يوما إلى أهله بعد أن سار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أياما في يوم حار ، فوجد آمرأتين له في عريشين لهما في حائطه ، قد رشت كل واحدة منها عريشها وبردت له فيه ماء ، وهيأت طعاما ، فلما دخل قام على باب العريش ، فنظر إلى آمرأتيه وما صنعتا له ، فقال : رسول الله في الضح والريح والحر ، وأبو خيثمة في ظل بارد ، وطعام مهيأ ، وآمرأة حسناء ، في ماله مقيم ، ما هذا بالنصف ؛ ثم قال : والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فهيئا لي زادا ، ففعلتا ، ثم قدم ناضحه فآرتحله ، ثم خرج في طلب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى أدركه حين نزل تبوك .
قال : ولما دنا من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال الناس : هذا راكب على الطريق مقبل ؛ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " كن أبا خيثمة ، " قالوا : يا رسول الله ، هو والله أبو خثيمة ؛ فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال له : " أولى لك يا أبا خثيمة " ، ثم أخبر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الخبر ، فقال : خيرا ودعا له .
وأما أبو ذر الغفاري ، فإنه أدرك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في أثناء الطريق ، وكان بعيره قد أبطأ عليه ، فحمل متاعه على ظهره ، ثم خرج يتبع أثر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى أدركه ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " رحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده " فكان كذلك .
قال : وقدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تبوك وهرقل يومئذ بحمص ، فبعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خالد بن الوليد إلى أكيدر .

الصفحة 251