كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 254 """"""
مائها شيئا ، ولا يتوضأ منه للصلاة ، وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه للإبل ولا تأكلوا منه شيئا ، ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له ، " ففعل الناس ما أمرهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، إلا أن رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته ، وخرج الآخر في طلب بعير له ، فأما الذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه ؛ وأما الذي ذهب في طلب بعيره فآحتملته الريح حتى طرحته بجبل طيء ، وأخبر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك فقال : " ألم أنهكم ألا يخرج منكم أحد إلا ومعه صاحبه " ثم دعا للذي أصيب فشفى ، وأما الآخر فإن طيئا أهدته لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين قدم المدينة .
قال ابن هشام : بلغني عن الزهري أنه قال : لما مر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالحجر سجى ثوبه على وجهه ، وآستحث راحلته ، ثم قال : " لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا إلا وأنتم باكون خوفا أن يصيبكم مثل ما أصابهم . " قال آبن إسحاق : لما أصبح الناس ولا ماء معهم شكوا ذلك إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فدعا ، فأرسل الله تعالى سحابة فأمطرت حتى آرتوى الناس وآحتملوا حاجتهم من الماء .
وفي هذه الغزوة ضلت ناقة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وقال زيد بن لصيب ما قال ، وأخبر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بما قال ، فأخبر بشأنها ، ووجدت كما وصف ( صلى الله عليه وسلم ) على ما قدمنا ذلك في أخبار المنافقين .
ذكر أخبار المنافقين وما تكلموا به في غزوة تبوك وما أنزل الله عز وجل فيهم من القرآن
كان ممن أنزل الله عز وجل فيه من القرآن ما أنزل في غزوة تبوك الجد ابن قيس ، وهو الذي قال لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : آئذن لي ولا تفتنى ؛ وقد تقدم خبره مع أخبار المنافقين .
وقال قوم منهم : لا تنفروا في الحر زهادة في الجهاد ؛ فأنزل الله عز وجل فيهم : وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون . فليضحكوا قليلا وليبكلوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون ، وقال رهط من المنافقين : منهم

الصفحة 254