كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 258 """"""
المتخلفون ، قد كان كافيك ذنبك آستغفار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فو الله ما زالوا يؤنبوني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي ، ثم قلت لهم : هل لقى هذا معي أحد ؟ قالوا : نعم ، رجلان قالا مثل ما قلت ، فقيل لهما مثل ما قيل لك ؛ فقلت : من هما ؟ قالوا : مرارة بن الربيع العمرى ، وهلال بن أمية الواقفي ، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة ؛ حين ذكروهما لي .
ونهى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المسلمين عن كلامنا - أيها الثلاثة - من بين من تخلف عنه ، فآجتنبنا الناس وتغيروا لنا ، حتى تنكرت في نفسي الأرض ، فما هي بالتي أعرف ، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة .
فأما صاحباي فآستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان ، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم ، فكنت أخرج أشهد الصلاة مع المسلمين ، وأطوف في الأسواق ، فلا يكلمني أحد ، وآتي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة ، فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه برد السلام على أم لا ؟ ثم أصلى قريبا منه فأسارقه النظر ، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي ، وإذا التفت نحوه أعرض عني ، حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط أبى قتادة ، وهو آبن عمي ، وأحب الناس إلي ، فسلمت عليه ، فو الله ما رد علي السلام ، فقلت : يا أبا قتادة ، أنشدك بالله ، هل تعلمني أحب الله ورسوله ؟ فسلكت ، فعدت له فنشدته ، فسكت ، فعدت له فنشدته ، فقال : الله ورسوله أعلم ، ففاضت عيناي ، وتوليت حتى تسورت الجدار .
قال : فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول : من يدل على كعب بن مالك ؟ ، فطفق الناس يشيرون له ، حتى إذا جاءني دفع إلى كتابا من ملك غسان ، فإذا فيه : أما بعد ، فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة ، فآلحق بنا نواسك . فقلت لما قرأتها : وهذا أيضا من البلاء ، فتيممت بها التنور ، فسجرته بها ، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يأتيني ، فقال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يأمرك أن

الصفحة 258