كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 259 """"""
تعتزل آمرأتك .
فقلت : أطلقها ؟ أم ماذا أفعل ؟ قال : لا ، بل آعتزلها ولا تقربنها ، وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك ، فقلت لآمرأتي : الحقى بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر . قال كعب : فجاءت آمرأة هلال بن أمية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت : يا رسول الله ، إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم ، فهل تكره أن أخدمه ؟ فقال : لا ، ولكن لا يقربنك قالت : إنه والله ما به حركة إلى شئ ، والله ما زال يبكي مذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا . فقال لي بعض أهلي : لو آستأذنت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في آمرأتك ، كما أذن لآمرأة هلال بن أمية أن تخدمه ، فقلت : والله لا أستأذن فيها رسول الله ، وما يدرني ما يقول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا أستأذنته فيها وأنا رجل شاب فلبثت بعد ذلك عسر ليال حتى كملت خمسون ليلة من حين نهى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن كلامنا ؛ فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة ، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا ، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله ، قد ضاقت علي نفسي ، وضاقت علي الأرض بما رحبت ، سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع بأعلى صوته : يا كعب بن مالك ، أبشر ، قال : فخررت ساجدا ، وعرفت أن قد جاء فرج ، وآذن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر ، فذهب الناس يبشروننا ، وذهب قبل صاحبي مبشرون ، وركض رجل إلى فرسا ، وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل ، وكان الصوت أسرع من الفرس ، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني ، نزعت ثوبي فكسوته إياهما ببشراه ، والله ما أملك غيرهما يومئذ ، وآستعرت ثوبين فلبستهما ، وآنطلقت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فتلقانى الناس فوجا يهنئونني بالتوبة ، يقولون : ليهنك توبة الله عليك .
قال كعب : حتى دخلت المسجد ، فإذا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جالس حوله الناس ، فقام إلى طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني ، والله ما قام إلى رجل من المهاجرين غيره ، ولا أنساها لطلحة .
قال كعب : فلما سلمت على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو يبرق وجهه من السرور : " أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك ؛ " قال : قلت : أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله ؟ قال : " لا ، بل من عند الله ، " وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا سر آستنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر ، كنا نعرف ذلك منه ، فلما جلست بين يديه قلت :

الصفحة 259