كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 260 """"""
يا رسول الله ، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله ؛ قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك ، " قلت : فإني أمسك سهمي الذي بخيبر ، وقلت : يا رسول الله ، إن الله إنما نجاني بالصدق ، وإن من توبتي ألا صدقا ما بقيت ، فو الله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أحسن مما أبلاني ، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى يومي هذا كذبا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقى ، فأنزل الله تعالى على رسول الله عليه وسلم : " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين آتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم . وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم . يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين . " قال كعب : فو الله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ألا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا ، فإن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد ، فقال تبارك وتعالى : " سيحلفون بالله لكم إذا آنقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس وماواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون . يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين . " قال كعب : وكنا تخلفنا - أيها الثلاثة - عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين حلفوا فبايعهم وآستغفر لهم ، وأرجأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمرنا حتى قضى الله فيه ، فبذلك قال : " وعلى الثلاثة الذين خلفوا . " وليس الذي ذكر الله مما خلفنا تخلفنا عن الغزو ، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له وآعتذر إليه فقبل منه .
انتهت غزوة تبوك ، فلنذكر ما سواها من السرايا .
ذكر سرية خالد بن الوليد إلى بني عبد المدان بنجران
بعثه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إليهم في شهر ربيع الأول سنة عشر من مهاجره ، ولم يذكر من خير هذه السرية غير هذا فنذكره

الصفحة 260