كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 263 """"""
بالناس كما قدمنا ذكر ذلك في مواضعه ، فلما كان في السنة العاشرة أذن في الناس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حاج ، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، ويعمل مثل عمله ، وخرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من المدينة مغتسلا مدهنا مترجلا متجردا في ثوبين صحاريين : إزار ورداء ، وذلك يوم السبت لخمس ليال بقين من ذي العقدة سنة عشر من مهاجره ، وآستعمل على المدينة أبا دجانة الساعدي - ويقال : سباع ابن عرفطة الغفاري - قالوا : وصلى الظهر بذي الحليفة ركعتين ، وأخرج معه نساءه كلهن في الهوادج ، وأشعر هديه وقلده ، ثم ركب ناقته ، فلما آستوى عليها بالبيداء أحرم من يومه ، وكان على هديه ناجية بن جندب ، وقيل : إنه أهل بالحج مفردا ، وقيل : قرنه بعمرة ، ومضى ( صلى الله عليه وسلم ) يسير المنازل ويؤم أصحابه في الصلاة في مساجد له قد بناها الناس ، فكان يوم الاثنين بمر الظهران ، فغربت له الشمس بسرف ، ثم أصبح فآغتسل ودخل مكة نهارا وهو على راحلته القصواء ، وكان تحته ( صلى الله عليه وسلم ) رحل رث عليه قطيفة لا تساوى أربعة دراهم ، وقال : " اللهم اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة ، " فدخل من أعلى مكة من كداء حتى آنتهى إلى باب بني شيبة ، فلما رأى البيت رفع يديه فقال : " اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة ، وزد من شرفه وعظمه ممن حجه وآعتمره تشريفا وتكريما ومهابة وتعظيما وبرا ؛ " ثم بدأ فطاف بالبيت ، ورمل ثلاثة أشواط من الحجر إلى الحجر ، وهو مضطبع بردائه ، ثم صلى خلف المقام ركعتين ، ثم سعى بين الصفا والمروة على راحلته من فوره ذلك ، وكان قد اضطرب بالأبطح ، فرجع إلى منزله ، فلما كان قبل يوم التروية بيوم خطب بمكة بعد الظهر ، ثم خرج يوم التروية إلى منى ، فبات بها ، ثم غدا إلى عرفات ، فوقف بالهضاب منها ، وقال : " كل عرفة موقف إلا بطن عرنة ، " فوقف على راحلته يدعو ، فلما غربت الشمس دفع فجعل يسير العنق حتى جاء المزدلفة ، فنزل قريبا من الغار ، فصلى المغرب

الصفحة 263