كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 44 """"""
فلما بعث أهل مكة في فداء أسرهم بعثت زينب بنت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في فداء أبى العاص بمال ، وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبى العاص فلما رآها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رق لها رقة شديدة وقال : ان رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فأفعلوا . قالوا : نعم يا رسول الله . فأطلقوه وردوا عليها الذي بعثت به ، وأخذ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يخلى سبيل زينب ، ولم يظهر ذلك ، ثم بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار ، فقال : كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب ، فتصبحا حتى تأتياني بها . فخرجا وذلك بعد بدر بشهر ، فلما قدم أبو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها ، فتجهزت لذلك ، وقدم لها حموها كنانة بن الربيع أخو زوجها بعيرا فركبته ، وأخذ قوسه وكنانته ، ثم خرج بها نهارا يقود بها ، وهى في هودج لها ، وتحدث بذلك رجال قريش ، فخرجوا في طلبها ، حتى أدركوها بذي طوى ، فكان أول من سبق اليها هبار بن الأسود بن المطلب بن عبد العزى الفهرى ، فروعها بالرمح وهى في هودجها ، وكانت حاملا فطرحت ، فنثر حموها كنانته ثم قال : والله لا يدنو منى رجلا الا وضعت فيه سهما ، فتكركر الناس عنه ، ثم جاء أبو سفيان بن حرب في جلة من قريش فقال : أيها الرجل ، كف عنا نبلك حتى نكلمك . فكف ، فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه فقال : انك لم تصب ، خرجت بالمرأة على رؤوس الناس علانية ، وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا ، وما دخل علينا من محمد ، فيظن الناس اذا خرجت له ببنته علانية على رؤوس الناس من بين أظهرنا أن ذلك على ذل أصابنا عن مصيبنا التي كانت ، وأن ذلك منا ضعف ووهن ، ولعمرى مالنا بحبسها عن أبيها من حاجة ، وما لنا في ذلك من ثورة ، ولكن آرجع بالمرأة حتى اذا هدأت الأصوات وتحدث الناس أن قد رددناها فسلها سرا وألحقها بأبيها . قال : ففعل . فأقامت ليالي اذا هدأت الأصوات خرج بها ليلا حتى أسلمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه ، فقدما بها على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأقامت عنده بالمدينة وفرق بينهما الاسلام ، حتى اذا كان قبيل الفتح خرج أبو العاص تاجر إلى الشام - وكان رجلا مأمون - بمال له وأموال رجال من قريش ، فلما فرغ من تجارته وأقبل قافلا لقيته سرية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأصابوا ما معه وأعجزهم هاربا ، فلما قدمت السرية بما أصابوا من ماله

الصفحة 44